Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 19-20)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم ثنى الله سبحانه في شأنهم بتمثيل آخر ليكون كشفاً لحالهم بعد كشف ، وإيضاحاً غب إيضاح . وكما يجب على البليغ في مظانّ الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز فكذلك الواجب عليه في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع . أنشد الجاحظ @ ُيوحُونَ بالخُطَبِ الطِّوَالِ وتَارَةً وَحْيَ المُلاَحِظِ خِيفةَ الرُُّقَباء @@ ومما ثنى من التمثيل في التنزيل قوله { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ * وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ * وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } فاطر19 - 22 وألا ترى إلى ذي الرمّة كيف صنع في قصيدته ؟ @ أَذَاكَ أَمْ نَمَشٌ بالْوَشْيِ أَكْرَعُه … أَذَاكَ أَمْ خَاضِبٌ بالسَّيِّ مَرْتَعُهُُ … @@ فإن قلت قد شبه المنافق في التمثيل الأوّل بالمستوقد ناراً ، وإظهاره الإيمان بالإضاءة ، وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار ، فما ذا شبه في التمثيل الثاني بالصيب وبالظلمات وبالرعد وبالبرق وبالصواعق ؟ قلت لقائل أن يقول شبه دين الإسلام بالصيب ، لأنّ القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر . وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات . وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق . وما يصيب الكفرة من الأفزاع والبلايا والفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق . والمعنى أو كمثل ذوي صيب . والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا . فإن قلت هذا تشبيه أشياء بأشياء فأين ذكر المشبهات ؟ وهلا صرح به كما في قوله { وَمَا يَسْتَوِى ٱلاْعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَلاَ ٱلْمُسِىء } غافر 58 ، وفي قول امرىء القيس @ كأنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِساً لَدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي ؟ @@ قلت كما جاء ذلك صريحاً فقد جاء مطوياً ذكره على سنن الاستعارة ، كقوله تعالى { وَمَا يَسْتَوِى ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } فاطر 12 ، { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ } الزمر 39 ، والصحيح الذي عليه علماء البيان لا يتخطونه أنّ التمثيلين جميعاً من جملة التمثيلات المركبة دون المفرّقة ، لا يتكلف الواحد واحد شيء يقدر شبهه به ، وهو القول الفحل والمذهب الجزل ، بيانه أنّ العرب تأخذ أشياء فرادى ، معزولاً بعضها من بعض ، لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها ، كما فعل امرؤ القيس وجاء في القرآن ، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامّت وتلاصقت حتى عادت شيئاً واحداً ، بأخرى مثلها كقوله تعالى { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } الجمعة 5 الآية . الغرض تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوراة وآياتها الباهرة ، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة ، وتساوي الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار ، لا يشعر من ذلك إلا بما يمرّ بدفيه من الكدّ والتعب . وكقوله { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَاء أَنْزَلْنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاء } الكهف 45 المراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء الخضر . فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيرة شيئاً واحداً ، فلا . فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة شبهت حيرتهم وشدّة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد إيقادها في ظلمة الليل ، وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق . فإن قلت الذي كنت تقدّره في المفرّق من التشبيه من حذف المضاف وهو قولك « أو كمثل ذوي صيب » هل تقدّر مثله في المركب منه ؟ قلت لولا طلب الراجع في قوله تعالى { يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِى ءاذَانِهِم } ما يرجع إليه لكنت مستغنياً عن تقديره لأني أراعي الكيفية المنتزعة من مجموع الكلام فلا عليّ أوَلِيَ حرف التشبيه مفرد يتأتى التشبيه به أم لم يله . ألا ترى إلى قوله { إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } يس 24 الآية ، كيف ولي الماء الكاف ، وليس الغرض تشبيه الدنيا بالماء ولا بمفرد آخر يتمحل لتقديره . ومما هو بين في هذا قول لبيد @ وما النَّاسُ إلاّ كالدِّيَارِ وأَهْلُهَا بِهَا يَوْمَ حَلُّوهَا وغَدْواً بَلاَقِعُ @@ لم يشبه الناس بالديار ، وإنما شبه وجودهم في الدنيا وسرعة زوالهم وفنائهم ، بحلول أهل الديار فيها ووشك نهوضهم عنها ، وتركها خلاء خاوية . فإن قلت أي التمثيلين أبلغ ؟ قلت الثاني ، لأنه أدل على فرط الحيرة وشدّة الأمر وفظاعته ، ولذلك أُخر ، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ . فإن قلت لم عطف أحد التمثيلين على الآخر بحرف الشك ؟ قلت أو في أصلها لتساوي شيئين فصاعداً في الشك ، ثم اتسع فيها فاستعيرت للتساوي في غير الشك ، وذلك قولك جالس الحسن أو ابن سيرين ، تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا ، ومنه قوله تعالى { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءاثِماً أَوْ كَفُوراً } الإنسان 24 ، أي الآثم والكفور متساويان في وجوب عصيانهما ، فكذلك قوله { أَوْ كَصَيّبٍ } معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين ، وأن القصتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل ، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب ، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك . والصيب المطر الذي يصوّب ، أي ينزل ويقع . ويقال للسحاب صيب أيضاً . قال الشماخ @ وأَسْحَمَ دَانٍ صَادِقِ الرَّعْدِ صَيِّبِ @@ وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل . كما نكرت النار في التمثيل الأول . وقرىء كصائب ، والصيب أبلغ . والسماء هذه المظلة . وعن الحسن أنها موج مكفوف . فإن قلت قوله { مّنَ ٱلسَّمَاء } ما الفائدة في ذكره ؟ والصيب لا يكون إلا من السماء . قلت الفائدة فيه أنه جاء بالسماء معرفة فنفى أن يتصوّب من سماء ، أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق ، لأنّ كل أفق من آفاقها سماء ، كما أن كل طبقة من الطباق سماء في قوله { وَأَوْحَىٰ فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا } فصلت 12 . الدليل عليه قوله @ ومِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنا وسَمَاءِ @@ والمعنى أنه غمام مطبق آخذ بآفاق السماء ، كما جاء بصيب . وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتنكير . أمد ذلك بأن جعله مطلقاً . وفيه أن السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه ، لا كزعم من يزعم أنه يأخذه من البحر . ويؤيده قوله تعالى { وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } النور 43 فإن قلت بم ارتفع ظلمات ؟ قلت بالظرف على الاتفاق لاعتماده على موصوف . والرعد الصوت الذي يسمع من السحاب ، كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتفض إذا حدتها الريح فتصوّت عند ذلك من الارتعاد . والبرق الذي يلمع من السحاب ، من برق الشيء بريقاً إذا لمع . فإن قلت قد جعل الصيب مكاناً للظلمات فلا يخلو من أن يراد به السحاب أو المطر ، فأيهما أريد فما ظلماته ؟ قلت أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقاً فظلمتا سجمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل . وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه وانتساجه بتتابع القطر ، وظلمة إظلال غمامه مع ظلمة الليل . فإن قلت كيف يكون المطر مكاناً للبرق والرعد وإنما مكانهما السحاب ؟ قلت إذا كانا في أعلاه ومصبه وملتبسين في الجملة فهما فيه . ألا تراك تقول فلان في البلد ، وما هو منه إلا في حيز يشغله جرمه . فإن قلت هلا جمع الرعد والبرق أخذاً بالأبلغ كقول البحتري @ يَا عَارِضاً مُتَلفِّعاً بُبُرودِهِ يَخْتَالُ بَيْنَ بُرُوقِهِ ورُعُودِهِ @@ وكما قيل ظلمات ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أن يراد العينان ، ولكنهما لما كانا مصدرين في الأصل ـــ يقال رعدت السماء رعداً وبرقت برقاً ـــ ، روعى حكم أصلهما بأن ترك جمعهما وإن أريد معنى الجمع . والثاني أن يراد الحدثان كأنه قيل وإرعاد وإبراق . وإنما جاءت هذه الأشياء منكرات ، لأن المراد أنواع منها ، كأنه قيل فيه ظلمات داجية ، ورعد قاصف ، وبرق خاطب . وجاز رجوع الضمير في يجعلون إلى أصحاب الصيب مع كونه محذوفاً قائماً مقامه الصيب ، كما قال { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } الأعراف 4 . لأن المحذوف باق معناه وإن سقط لفظه . ألا ترى إلى حسان كيف عوّل على بقاء معناه في قوله @ يُسْقَوْنَ مِنْ وِرْدِ البريص عليْهِمُ بَرَدَى يُصَفِّقُ بالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ @@ حيث ذكر يصفق لأن المعنى ماء بردى ، ولا محل لقوله { يَجْعَلُونَ } لكونه مستأنفاً ، لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدّة والهول ، فكأن قائلاً قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد ؟ فقيل { يَجْعَلُونَ أَصْـٰبِعَهُمْ فِى ءاذَانِهِم } ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق ؟ فقيل يكاد البرق يخطف أبصارهم . فإن قلت مرأَيس الأصبع هو الذي يجعل في الأذن فهلا قيل أناملهم ؟ قلت هذا من الاتساعات في اللغة التي لا يكاد الحاصر يحصرها ، كقوله { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيَّدِيَكُم } المائدة 6 ، { فَٱقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } المائدة 6 أراد البعض الذي هو إلى المرفق والذي إلى الرسغ . وأيضاً ففي ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل . فإن قلت فالأصبع التي تسدّ بها الأذن أصبع خاصة ، فلم ذكر الاسم العام دون الخاص ؟ قلت لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن . ألا ترى أنهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والسباحة والمهللة والدّعاءة . فإن قلت فهلا ذكر بعض هذه الكنايات ؟ قلت هي ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد ، وإنما أحدثوها بعد . وقوله { مّنَ ٱلصَّوٰعِقِ } متعلق بيجعلون ، أي من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم ، كقولك سقاه من العيمة . والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار ، قالوا تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه ، وهي نار لطيفة حديدة . لا تمرّ بشيء إلا أتت عليه ، إلا أنها مع حدتها سريعة الخمود . يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو النصف ثم طفئت . ويقال صعقته الصاعقة إذا أهلكته ، فصعق أي مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق . ومنه قوله تعالى { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } الأعراف 143 . وقرأ الحسن « من الصواقع » وليس بقلب للصواعق ، لأنّ كلا البنائين سواء في التصرف ، وإذا استويا كان كل واحد بناء على حياله . ألا تراك تقول صقعه على رأسه ، وصقع الديك ، وخطيب مصقع مجهر بخطبته . ونظيره « جبذ » في « جذب » ليس بقلبه لاستوائهما في التصرف . وبناؤها إما أن يكون صفة لقصفة الرعد ، أو للرعد ، والتاء مبالغة كما في الراوية ، أو مصدراً كالكاذبة والعافية . وقرأ ابن أبي ليلى حذار الموت ، وانتصب على أنه مفعول له كقوله @ وأَغْفِرُ عَوْرَاءَ الكَرِيمِ ادِّخَارَهُ @@ والموت فساد بنية الحيوان . وقيل عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة . وإحاطة الله بالكافرين مجاز . والمعنى أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة . وهذه الجملة اعتراض لا محل لها . والخطف الأخذ بسرعة . وقرأ مجاهد « يخطف » بكسر الطاء ، والفتح أفصح وأعلى ، وعن ابن مسعود يختطف . وعن الحسن يخطف ، بفتح الياء والخاء ، وأصله يختطف . وعنه يخطف ، بكسرهما على إتباع الياء الخاء . وعن زيد بن علي يخطف ، من خطف . وعن أبيّ « يتخطف » ، من قوله { وتخطفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } العنكبوت 67 . { كُلَّمَا أَضآءَ لَهُم } استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته ؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون ، إذا صادفوا من البرق خفقة ، مع خوف أن يخطف أبصارهم ، انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة ، فإذا خفى وفتر لمعانه بقوا واقفين متقيدين عن الحركة ، ولو شاء الله لزاد في قصيف الرعد فأصمهم ، أو في ضوء البرق فأعماهم . وأضاء إما متعد بمعنى كلما نوّر لهم ممشى ومسلكاً أخذوه والمفعول محذوف . وإما غير متعد بمعنى كلما لمع لهم { مَّشَوْاْ } في مطرح نوره وملقى ضوئه . ويعضده قراءة ابن أبي عبلة كلما ضاء لهم والمشي جنس الحركة المخصوصة . فإذا اشتد فهو سعي . فإذا ازداد فهو عدو . فإن قلت كيف قيل مع الإضاءة كلما ، ومع الإظلام إذا ؟ قلت لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي وتأتيه ، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ، وليس كذلك التوقف والتحبس . وأظلم يحتمل أن يكون غير متعد وهو الظاهر ، وأن يكون متعدياً منقولاً من ظلم الليل . وتشهد له قراءة يزيد بن قطيب أظلم ، على ما لم يسم فاعله . وجاء في شعر حبيب بن أوس @ هُمَا أَظْلَمَا حالَيَّ ثُمَّتَ أَجْلَيَا ظَلاَمَيْهُما عنْ وَجْهِ أَمْرَدَ أشْيَبِ @@ وهو وإن كان محدثاً لا يستشهد بشعره في اللغة ، فهو من علماء العربية ، فاجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه . ألا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة ، فيقتنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه . ومعنى { قَامُواْ } وقفوا وثبتوا في مكانهم . ومنه قامت السوق ، إذا ركدت وقام الماء جمد . ومفعول { شَآءَ } محذوف ، لأن الجواب يدل عليه ، والمعنى ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، ولقد تكاثر هذا الحذف في « شاء » و « أراد » لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله @ فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَماً لَبَكَيْتُهُ @@ وقوله تعالى { لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا } الأنبياء 17 { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } الزمر 4 . وأراد ولو شاء الله لذهب بسمعهم بقصيف الرعد ، وأبصارهم بوميض البرق . وقرأ ابن أبي عبلة لأذهب بأسماعهم ، بزيادة الباء كقوله { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } البقرة 195 . والشيء ما صح أن يعلم ويخبر عنه . قال سيبويه ـــ في ساقة الباب المترجم بباب مجاري أواخر الكلم من العربية ـــ وإنما يخرج التأنيث من التذكير . ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى ؟ ، والشيء مذكر ، وهو أعم العام كما أن الله أخص الخاص يجري على الجسم والعرض والقديم . تقول شيء لا كالأشياء أي معلوم لا كسائر المعلومات ، وعلى المعدوم والمحال فإن قلت كيف قيل { عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } وفي الأشياء ما لا تعلق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر ؟ قلت مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلاً فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها ، فكأنه قيل على كل شيء مستقيم قدير . ونظيره فلان أمير على الناس أي على من وراءه منهم ، ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس . وأما الفعل بين قادرين فمختلف فيه . فإن قلت ممّ اشتقاق القدير ؟ قلت من التقدير ، لأنه يوقع فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميز به عن العاجز .