Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-220)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

117 نزلت في الخمر أربع آيات نزلت بمكة { وَمِن ثَمَرٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلاْعْنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا } النحل 67 فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال . ثم إن عمر ومعاذًا ونفرًا من الصحابة قالوا يا رسول الله ، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت { فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } فشربها قوم وتركها آخرون . ثم دعا عبد الرحمٰن بن عوف ناسًا منهم فشربوا وسكروا فأمّ بعضهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ } فقل من يشربها . ثم دعا عتبان بن مالك قوماً فيهم سعد بن أبي وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا حتى أنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاري بلحى بعير فشجه موضحة ، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافياً ، فنزلت { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } إلى قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } فقال عمر رضي الله عنه انتهينا يا رب . وعن عليّ رضي الله عنه لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه . وعن ابن عمر رضي الله عنهما لو أدخلت أصبعي فيه لم تتبعني . وهذا هو الإيمان حقاً ، وهم الذين اتقوا الله حق تقاته . والخمر ما غلى واشتدّ وقذف بالزبد من عصير العنب ، وهو حرام ، وكذلك نقيع الزبيب أو التمر الذي لم يطبخ ، فإن طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلى واشتدّ ذهب خبثه ونصيب الشيطان ، وحلّ شربه ما دون السكر إذا لم يقصد بشربه اللهو والطرب عند أبي حنيفة . وعن بعض أصحابه لأن أقول مرارًا هو حلال ، أحبّ إليّ من أن أقول مرة هو حرام ، ولأن أخر من السماء فأتقطع قطعاً أحبّ إليّ من أن أتناول منه قطرة . وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر ، وكذلك كل ما أسكر من كل شراب . وسميت خمرًا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرًا لأنها تسكرهما ، أي تحجزهما ، وكأنها سميت بالمصدر من « خمرة خمراً » إذا ستره للمبالغة . والميسر القمار ، مصدر من يسر ، كالموعد والمرجع من فعلهما . يقال يسرته ، إذا قمرته ، واشتقاقه من اليسر ، لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كدٍّ ولا تعب ، أو من اليسار . لأنه سلب يساره . وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان الرجل في الجاهلية يخاطر على أهله وماله قال @ أقُــــولُ لَهُــــمْ بِالشِّعْـــبِ إذْ يَيْسِرُونَنـــــيِ @@ أي يفعلون بي ما يفعل الياسرون بالميسور . فإن قلت كيف صفة الميسر ؟ قلت كانت لهم عشرة أقداح ، وهي الأزلام والأقلام ، والفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى والمنيح والسفيح ، والوغد . لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء . وقيل ثمانية وعشرين إلا لثلاثة ، وهي المنيح والسفيح والوغد . ولبعضهم @ لِـــيَ فـــي الــدُّنْيَــا سِــهَـــامٌ لَــيْــــسَ فِــيــــهِـــنَّ رَبـــِيـــــحُ وَأسَـــامِــيــــهِـــــنَّ وَغْـــــــــدٌ وَسَـــفِيـــــــحٌ وَمــنـــيــــــــحُ @@ للفذ سهم ، وللتوأم سهمان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها في الربابة وهي خريطة ، ويضعونها على يدي عدل ، ثم يجلجلها ويدخل يده فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها . فمن خرج له قدح من ذوات الأنصباء أخذ النصيب المرسوم به ذلك القدح . ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئاً وغرم ثمن الجزور كله . وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها . ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ، ويسمونه البرم . وفي حكم الميسر أنواع القمار ، من النرد والشطرنج وغيرهما . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 118 " إياكم وهاتين اللعبتين المشؤمتين فإنهما من ميسر العجم " وعن عليّ رضي الله عنه أنّ النرد والشطرنج من الميسر وعن ابن سيرين كل شيء فيه خطر فهو من الميسر . والمعنى يسألونك عما في تعاطيهما ، بدليل قوله تعالى { قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } ، { وَإِثْمُهُمَآ } وعقاب الإثم في تعاطيهما { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } وهو الالتذاذ بشرب الخمر والقمار ، والطرب فيهما ، والتوصل بهما إلى مصادقات الفتيان ومعاشرتهم ، والنيل من مطاعمهم ومشاربهم وأعطياتهم ، وسلب الأموال بالقمار ، والافتخار على الأبرام . وقرىء « إثم كثير » - بالثاء - وفي قراءة أبيّ « وإثمهما أقرب » . ومعنى الكثرة أن أصحاب الشرب والقمار يقترفون فيهما الآثام من وجوه كثيرة { ٱلْعَفْوَ } نقيض الجهد وهو أن ينفق مالاً يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع ، قال @ خُــــذِي الْعَفْــــوَ مِنِّــــي تَسْتَدِيمِــــي مَوَدَّتِـــــي @@ ويقال للأرض السهلة العفو . وقرىء بالرفع والنصب . وعن النبي صلى الله عليه وسلم . 119 " أنّ رجلاً أتاه ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال خذها مني صدقة ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه من الجانب الأيمن فقال مثله فأعرض عنه ، ثم أتاه من الجانب الأيسر فأعرض عنه فقال هاتها مغضباً ، فأخذها فخذفه بها خذفاً لو أصابه لشجه أو عقره ، ثم قال « يجيء أحدكم بماله كله يتصدّق به ويجلس يتكفف الناسٰ إنما الصدقة عن ظهر غنىً " { فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلأَخِرَةِ } إمّا أن يتعلق بتتفكرون ، فيكون المعنى لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم كما بينت لكم أنّ العفو أصلح من الجهد في النفقة ، أوتتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع . ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا . حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب العظيم . وإمّا أن يتعلق { يبين } على معنى يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون ، لما نزلت { إِنَّ ٱلَّذِى يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً } النساء 10 اعتزلوا اليتامى وتحاموهم وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم ، فشق ذلك عليهم وكاد يوقعهم في الحرج . فقيل { إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } وتعاشروهم ولم تجانبوهم { فـــ } ـــهم { َإِخْوَٰنُكُم ْ } في الدين ، ومن حق الأخ أن يخالط أخاه ، وقد حملت المخالطة على المصاهرة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } أي لا يخفى على الله من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه على حسب مداخلته ، فاحذروه ولا تتحروا غير الإصلاح { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لاعْنَتَكُمْ } لحملكم على العنت وهو المشقة وأحرجكم فلم يطلق لكم مداخلتهم . وقرأ طاوس « قل إصلاح إليهم » . ومعناه إيصال الصلاح وقرىء « لعنتكم » ، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على اللام ، وكذلك { فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } البقرة 173 غالب يقدر على أن يعنت عباده ويحرجهم ولكنه { حَكِيمٌ } لا يكلف إلا ما تتسع فيه طاقتهم .