Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْمَحِيضِِ } مصدر . يقال حاضت محيضاً ، كقولك جاء مجيئاً وبات مبيتاً { قُلْ هُوَ أَذًى } أي الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه نفرة منه وكراهة له { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء } فاجتنبوهنّ يعني فاجتنبوا مجامعتهنّ . روي 121 أنّ أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فرش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس ، فلما نزلت أخذ المسلمون بظاهر اعتزالهنّ فأخرجوهنّ من بيوتهن ، فقال ناس من الأعراب يا رسول الله البرد شديد والثياب قليلة ، فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت وإن استأثرنا بها هلكت الحِيَّضُ فقال عليه الصلاة والسلام " إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ، ولم يأمركم بإخراجهنّ من البيوت كفعل الأعاجم " وقيل إنّ النصارى كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض ، واليهود كانوا يعتزلونهنّ في كل شيء ، فأمر الله بالاقتصاد بين الأمرين ، وبين الفقهاء خلاف في الاعتزال ، فأبو حنيفة وأبو يوسف يوجبان اعتزال ما اشتمل عليه الإزار ، ومحمد بن الحسن لا يوجب إلا اعتزال الفرج ، وروى محمد حديث عائشة رضي الله عنها أنّ عبد الله بن عمر سألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت تشدّ إزارها على سفلتها ، ثم ليباشرها إن شاء . وما روى زيد بن أسلم 122 أنّ رجلاً سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال " لتشدّ عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها " ، ثم قال وهذا قول أبي حنيفة . وقد جاء ما هو أرخص من هذا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يجتنب شعار الدم وله ما سوى ذلك وقرىء « يطهرن » بالتشديد ، أي يتطهرن ، بدليل قوله { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } وقرأ عبد الله « حتى يتطهرن » . و « يطهرن » بالتخفيف . والتطهر الاغتسال . والطهر انقطاع دم الحيض . وكلتا القراءتين مما يجب العمل به ، فذهب أبو حنيفة إلى أن له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل ، وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة . وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتُطَهَّر ، فتجمع بين الأمرين ، وهو قول واضح . ويعضده قوله { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } . { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } من المأتى الذي أمركم الله به وحلله لكم وهو القبل { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوبِينَ } مما عسى يندر منهم من ارتكاب مانهوا عنه من ذلك { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهّرِينَ } المتنزهين عن الفواحش . أو إنّ الله يحبّ التوّابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب ، ويحب المتطهرين من جميع الأقذار كمجامعة الحائض والطاهر قبل الغسل ، وإتيان ما ليس بمباح ، وغير ذلك { حَرْثٌ لَّكُمْ } مواضع الحرث لكم . وهذا مجاز ، شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور . وقوله { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } تمثيل ، أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم . لا تحظر عليكم جهة دون جهة ، والمعنى جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحداً وهو موضع الحرث . وقوله { هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنّسَاء } ، { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } ، { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة . وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدّبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم . وروي 123 أن اليهود كانوا يقولون من جامع امرأته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كذبت اليهود ونزلت . { وَقَدّمُواْ لأَنفُسِكُمْ } ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه . وقيل هو طلب الولد ، وقيل التسمية على الوطء { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فلا تجترئوا على المناهي { وَٱعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلَـٰقُوهُ } فتزوّدوا ما لا تفتضحون به { وَبَشّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات فإن قلت ما موقع قوله { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } مما قبله ؟ قلت موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } يعني أنّ المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ، ترجمة له وتفسيراً ، أو إزالة للشبهة ، ودلالة على أنّ الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة ، فلا تأتوهنّ إلا من المأتي الذي يتعلق به هذا الغرض . فإن قلت ما بال { َيَسْألُونَكَ } جاء بغير واو ثلاث مرات ، ثم مع الواو ثلاثاً ؟ قلت كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرّقة ، فلم يؤت بحرف العطف لأنّ كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ . وسألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد ، فجيء بحرف الجمع لذلك ، كأنه قيل يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر ، والسؤال عن الإنفاق ، والسؤال عن كذا وكذا .