Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 226-228)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ عبد الله « آلوا من نسائهم » . وقرأ ابن عباس « يقسمون من نسائهم » فإن قلت كيف عدي بمن ، وهو معدى بعلى ؟ قلت قد ضمن في هذا القسم المخصوص معنى البعد ، فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين . ويجوز أن يراد لهم { مِن نّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } كقوله لي منك كذا . والإيلاء من المرأة أن يقول والله لا أقربك أربعة أشهر فصاعداً على التقييد بالأشهر . أو لا أقربك على الإطلاق . ولا يكون في ما دون أربعة أشهر ، إلا ما يحكى عن إبراهيم النخعي . وحكم ذلك أنه إذا فاء إليها في المدة بالوطء إن أمكنه أو بالقول إن عجز صح الفيء ، وحنث القادر ، ولزمته كفارة اليمين ، ولا كفارة على العاجز . وإن مضت الأربعة بانت بتطليقة عند أبي حنيفة . وعند الشافعي لا يصح الإيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر ثم يوقف المولى ، فإما أن يفيء وإما أن يطلق وإن أبى طلق عليه الحاكم . ومعنى قوله { فَإِن فَآءُوا } فإن فاؤا في الأشهر ، بدليل قراءة عبد الله « فإن فاؤا فيهن » { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يغفر للمولين ما عسى يقدمون عليه من طلب ضرار النساء بالإيلاء وهو الغالب ، وإن كان يجوز أن يكون على رضا منهن إشفاقاً منهن على الولد من الغيل ، أو لبعض الأسباب لأجل الفيئة التي هي مثل التوبة { وَإِنْ عَزَمُواْ ٱلطَّلَـٰقَ } فتربصوا إلى مُضيِّ المدة { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة ، وعلى قول الشافعي رحمه الله معناه { فَإِن فَآءُوا } { وَإِنْ عَزَمُواْ } بعد مضي المدة . فإن قلت كيف موقع الفاء إذا كانت الفيئة قبل انتهاء مدّة التربص ؟ قلت موقع صحيح لأن قوله { فَإِن فَآءُوا } ، { وَإِنْ عَزَمُواْ } تفصيل لقوله { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } والتفصيل يعقب المفصل ، كما تقول أنا نزيلكم هذا الشهر ، فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره ، وإلا لم أقم إلا ريثما أتحوّل . فإن قلت ما تقول في قوله { فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وعزمهم الطلاق بما يعلم ولا يسمع ؟ قلت الغالب أن العازم للطلاق وترك الفيئة والضرار ، لا يخلو من مقاولة ودمدمة ولا بد له من أن يحدّث نفسه ويناجيها بذلك ، وذلك حديث لا يسمعه إلا الله كما يسمع وسوسة الشيطان { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ } أراد المدخول بهن من ذوات الأقراء . فإن قلت كيف جازت إرادتهن خاصة واللفظ يقتضي العموم ؟ قلت بل اللفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكله وبعضه ، فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك . فإن قلت فما معنى الإخبار عنهن بالتربص ؟ قلت هو خبر في معنى الأمر . وأصل الكلام وليتربص المطلقات . وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر ، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص . فهو يخبر عنه موجوداً . ونحوه قولهم في الدعاء رحمك الله ، أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة ، كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها ، وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضاً فضل تأكيد . ولو قيل ويتربص المطلقات ، لم يكن بتلك الوكادة . فإن قلت هلا قيل يتربصن ثلاثة قروء ، كما قيل { تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } وما معنى ذكر الأنفس ؟ قلت في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث ، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن ، وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال ، فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص . والقروء جمع قرء أو قرء ، وهو الحيض ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام 125 " دعي الصلاة أيام أقرائك " وقوله 126 " طلاق الأمة تطليقتان ، وعدتها حيضتان " ولم يقل طهران . وقوله تعالى { وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نّسَائِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ } الطلاق 4 فأقام الأشهر مقام الحيض دون الأطهار . ولأن الغرض الأصيل في العدة استبراء الرحم ، والحيض هو الذي تستبرأ به الأرحام دون الطهر ، ولذلك كان الاستبراء من الأمة بالحيضة . ويقال أقرأت المرأة ، إذا حاضت . وامرأة مقرىء . وقال أبو عمرو بن العلاء دفع فلان جاريته إلى فلانة تقرئها ، أي تمسكها عندها حتى تحيض للاستبراء . فإن قلت فما تقول في قوله تعالى { فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } الطلاق 1 والطلاق الشرعي ، إنما هو في الطهر ؟ قلت معناه مستقبلات لعدتهن ، كما تقول لقيته لثلاث بقين من الشهر ، تريد مستقبلاً لثلاث ، وعدتهنّ الحيض الثلاث . فإن قلت فما تقول في قول الأعشى @ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكا @@ قلت أراد لما ضاع فيها من عدّة نسائك ، لشهرة القروء عندهم في الاعتداد بهن ، أي من مدّة طويلة كالمدة التي تعتد فيها النساء ، استطال مدة غيبته عن أهله كل عام لاقتحامه في الحروب والغارات . وأنه تمرّ على نسائه مدة كمدة العدة ضائعة لا يضاجعن فيها ، أو أراد من أوقات نسائك ، فإنّ القرء والقارىء جاء في معنى الوقت ، ولم يرد لا حيضاً ولا طهراً . فإن قلت فعلام انتصب { ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } ؟ قلت على أنه مفعول به كقولك المحتكر يتربص الغلاء ، أي يتربصن مضيّ ثلاثة قروء ، أو على أنه ظرف ، أي يتربصن مدة ثلاثة قروء فإن قلت لم جاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء ؟ قلت يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية . ألا ترى إلى قوله { بِأَنفُسِهِنَّ } وما هي إلا نفوس كثيرة ، ولعل القروء كانت أكثر استعمالاً في جمع قرء من الأقراء ، فأوثر عليه تنزيلاً لقليل الاستعمال منزلة المهمل ، فيكون مثل قولهم ثلاثة شسوع . وقرأ الزهري « ثلاثة قرو » ، بغير همزة { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ } من الولد أو من دم الحيض . وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ، ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها ، أو كتمت حيضها وقالت وهي حائض قد طهرت ، استعجالاً للطلاق . ويجوز أن يراد اللاتي يبغين إسقاط ما في بطونهن من الأجنة فلا يعترفن به ويجحدنه لذلك ، فجعل كتمان ما في أرحامهن كناية عن إسقاطه { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ } تعظيم لفعلهن ، وأن من آمن بالله وبعقابه لا يجترىء على مثله من العظائم . والبعولة جمع بعل ، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في الحزونة والسهولة . ويجوز أن يراد بالبعولة المصدر من قولك بعل حسن البعولة ، يعني وأهل بعولتهن { أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ } برجعتهن . وفي قراءة أبيّ « بردّتهن » { وَفِي ذٰلِكُم } في مدة ذلك التربص . فإن قلت كيف جُعلوا أحق بالرجعة ، كأن للنساء حقاً فيها ؟ قلت المعنى أنّ الرجل إن أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها وكان هو أحق منها ، إلا أن لها حقاً في الرجعة { إِنْ أَرَادُواْ } بالرجعة { إِصْلَـٰحاً } لما بينهم وبينهن وإحساناً إليهن ولم يريدوا مضارّتهنّ { وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ } ويجب لهنّ من الحق على الرجال مثل الذي يجب لهم عليهنّ { بِٱلْمَعْرُوفِ } بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفنهم ما ليس لهنّ ولا يكلفونهنّ ما ليس لهم ولا يعنف أحد الزوجين صاحبه . والمراد بالمماثلة مماثلة الواجب الواجب في كونه حسنة ، لا في جنس الفعل ، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل نحو ذلك ، ولكن يقابله بما يليق بالرجال { دَرَجَةً } زيادة في الحق وفضيلة . قيل المرأة تنال من اللذة ما ينال الرجل ، وله الفضيلة بقيامه عليها وإنفاقه في مصالحها .