Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 22-22)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قدّم سبحانه من موجبات عبادته وملزمات حق الشكر له خلقهم أحياء قادرين أوّلاً لأنه سابقة أصول النعم ومقدمتها ، والسبب في التمكن من العبادة والشكر وغيرهما ، ثم خلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرّهم الذي لا بدّ لهم منه ، وهي بمنزلة عرصة المسكن ومتقلبه ومفترشه ، ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار ، ثم ما سوّاه عزّ وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها . والإخراج به من بطنها ـــ أشباه النسل المنتج من الحيوان ـــ من ألوان الثمار رزقاً لبني آدم ، ليكون لهم ذلك معتبراً ومتسلقاً إلى النظر الموصل إلى التوحيد والاعتراف ونعمة يتعرفونها فيقابلونها بلازم الشكر ، ويتفكرون في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وتحتهم ، وأن شيئاً من هذه المخلوقات كلها لا يقدر على إيجاد شيء منها ، فيتيقنوا عند ذلك أن لا بدّ لها من خالق ليس كمثلها ، حتى لا يجعلوا المخلوقات له أنداداً وهم يعلمون أنها لا تقدر على نحو ما هو عليه قادر . والموصول مع صلته إمّا أن يكون في محل النصب وصفاً كالذي خلقكم ، أو على المدح والتعظيم . وإمّا أن يكون رفعاً على الابتداء وفيه ما في النصب من المدح ، وقرأ يزيد الشامي بساطاً . وقرأ طلحة مهادا . ومعنى جعلها فراشاً وبساطاً ومهاداً للناس أنهم يقعدون عليها وينامون ويتقلبون كما يتقلب أحدهم على فراشه وبساطه ومهاده . فإن قلت هل فيه دليل على أنّ الأرض مسطحة وليست بكريّة ؟ قلت ليس فيه إلا أن الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش ، وسواء كانت على شكل السطح ، أو شكر الكرة ، فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع ، لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها . وإذا كان متسهلاً في الجبل وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو في الأرض ذات الطول والعرض أسهل . والبناء مصدر سمي به المبنى ـــ بيتاً كان أو قبة أو خباء أو طرافاً ـــ وأبنية العرب أخبيتهم ، ومنه بنى على امرأته ، لأنهم كانوا إذا تزوجوا ضربوا عليها خباء جديداً . فإن قلت ما معنى إخراج الثمرات بالماء وإنما خرجت بقدرته ومشيئته ؟ قلت المعنى أنه جعل الماء سبباً في خروجها ومادّة لها ، كماء الفحل في خلق الولد ، وهو قادر على أن ينشىء الأجناس كلها بلا أسباب ولا موادّ كما أنشأ نفوس الأسباب والموادّ ، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجاً لها من حال إلى حال ، وناقلاً من مرتبة إلى مرتبة حكماً ودواعي يجدد فيها لملائكته والنظار بعيون الاستبصار من عباده عبرا وأفكاراً صالحة ، وزيادة طمأنينة ، وسكون إلى عظيم قدرته وغرائب حكمته ، ليس ذلك في إنشائها بغتة من غير تدريج وترتيب . و « من » في { مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ } للتبعيض بشهادة قوله { فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } الأعراف 57 ، وقوله { فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ } فاطر 27 . ولأنّ المنكرين أعني ماء ، ورزقاً . يكتنفانه . وقد قصد بتنكيرهما معنى البعضية فكأنه قيل وأنزلنا من السماء بعض الماء ، فأخرجنا به بعض الثمرات ، ليكون بعض رزقكم . وهذا هو المطابق لصحة المعنى ، لأنه لم ينزل من السماء الماء كله ، ولا أخرج بالمطر جميع الثمرات ، ولا جعل الرزق كله في الثمرات . ويجوز أن تكون للبيان كقولك أنفقت من الدراهم ألفاً . فإن قلت فيم انتصب { رِزْقاً } ؟ قلت إن كانت « من » للتبعيض . كان انتصابه بأنه مفعول له . وإن كانت مبنية ، كان مفعولاً لأخرج . فإن قلت فالثمر المخرج بماء السماء كثير جمّ فلم قيل الثمرات دون الثمر والثمار ؟ قلت فيه وجهان ، أحدهما أن يقصد بالثمرات جماعة الثمرة التي في قولك فلان أدركت ثمرة بستانه ، تريد ثماره . ونظيره قولهم كلمة الحويدرة ، لقصيدته . وقولهم للقرية المدرة ، وإنما هي مدر متلاحق . والثاني أنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية ، كقوله { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ } الدخان 25 و { ثَلَـٰثَةَ قُرُوء } البقرة 228 . ويعضد الوجه الأوّل قراءة محمد بن السميفع من الثمرة ، على التوحيد . و { لَكُمُ } صفة جارية على الرزق إن أريد به العين ، وإن جعل اسماً للمعنى فهو مفعول به ، كأنه قيل رزقاً إياكم . فإن قلت بم تعلق { فَلاَ تَجْعَلُواْ } ؟ قلت فيه ثلاثة أوجه أن يتعلق بالأمر . أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له { أَندَاداً } لأنّ أصل العبادة وأساسها التوحيد ، وأن لا تجعل لله ندّ ولا شريك . أو بلعل ، على أن ينتصب تجعلوا انتصاب ، فأطلع في قوله عز وجل { لَّعَـلّى أَبْلُغُ ٱلاْسْبَـٰبَ أَسْبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } غافر 36 ـــ 37 في رواية حفص عن عاصم ، أي خلقكم لكي تتقوا وتخافوا عقابه فلا تشبهوه بخلقه ، أو بالذي جعل لكم ، إذا رفعته على الابتداء ، أي هو الذي خصكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية ، فلا تتخذوا له شركاء . والند المثل . ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوىء . قال جرير @ أَتَيما يَجْعَلُون إلَيَّ نِدًّا وما تَيْمٌ لِذِي حَسَب نَدِيدَا @@ وناددت الرجل خالفته ونافرته ، من ندّ ندوداً إذا نفر . ومعنى قولهم ليس لله ندّ ولا ضدّ نفى ما يسدّه مسدّه ، ونفى ما ينافيه . فإن قلت كانوا يسمون أصنامهم باسمه ويعظمونها بما يعظم به من القرب ، وما كانوا يزعمون أنها تخالف الله وتناويه . قلت لما تقرّبوا إليها وعظموها وسموها آلهة ، أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة مثله ، قادرة على مخالفته ومضادّته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكم . كما تهكم بهم بلفظ الندّ ، شنع عليهم واستفظع شأنهم بأن جعلوا أنداداً كثيرة لمن لا يصح أن يكون له ندّ قط . وفي ذلك قال زيد بن عمرو بن نفيل حين فارق دين قومه @ أَرَبًّا واحِداً أمْ ألْفُ رَبٍّ أدِينُ إذَا تَقَسَّمَتِ الأُمُورُ @@ وقرأ محمد بن السميفع فلا تجعلوا لله ندا . فإن قلت ما معنى { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } . قلت معناه وحالكم وصفتكم أنكم من صحة تمييزكم بين الصحيح والفاسد ، والمعرفة بدقائق الأمور وغوامض الأحوال ، والإصابة في التدابير ، والدهاء والفطنة ، بمنزل لا تدفعون عنه . وهكذا كانت العرب ، خصوصاً ساكنو الحرم من قريش وكنانة ، لا يصطلي بنارهم في استحكام المعرفة بالأمور وحسن الإحاطة بها . ومفعول { تَعْلَمُونَ } متروك كأنه قيل وأنتم من أهل العلم والمعرفة . والتوبيخ فيه آكد ، أي أنتم العرّافون المميزون . ثم إنّ ما أنتم عليه في أمر ديانتكم من جعل الأصنام لله أنداداً ، هو غاية الجهل ونهاية سخافة العقل . ويجوز أن يقدر وأنتم تعلمون أنه لا يماثل . أو وأنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت . أو وأنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله . كقوله { هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مّن شَىْء } الروم 40 .