Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 249-249)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَصْلٌ } عن موضع كذا إذا انفصل عنه وجاوزه ، وأصله فصل نفسه ، ثم كثر محذوف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدي كانفصل . وقيل فصل عن البلد فصولاً . ويجوزأن يكون فصله فصلاً ، وفصل فصولاً كوقف وصدّ ونحوهما . والمعنى انفصل عن بلده { بِٱلْجُنُودِ } روي أنه قال لقومه لا يخرج معي رجل بنى بناء لم يفرغ منه ، ولا تاجر مشتغل بالتجارة ، ولا رجل متزوّج بامرأة لم يبن عليها ، ولا أبتغي إلا الشاب النشيط الفارغ . فاجتمع إليه مما اختاره ثمانون ألفاً ، وكان الوقت قيظاً وسلكوا مفازة ، فسألوا أن يجري الله لهم نهراً ، فـــ { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم } بما اقترحتموه من النهر { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } فمن ابتدأ شربه من النهر بأن كرع فيه { فَلَيْسَ مِنّي } فليس بمتصل بي ومتحد معي ، من قولهم فلان مني ، كأنه بعضه لاختلاطهما واتحادهما . ويجوز أن يراد فليس من جملتي وأشياعي { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } ومن لم يذقه ، من طعم الشيء ، إذا ذاقه . ومنه طِعم الشيء ، لمذاقه . قال @ وَإنْ شِئْت لَمْ أطْعَمْ نَقَاخاً وَلاَ بَرْدَا @@ ألا ترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم . ويقال ما ذقت غماضاً . ونحوه من الابتلاء ما ابتلى الله به أهل أيلة من ترك الصيد مع إتيان الحيتان شرَّعاً ، بل هو أشد منه وأصعب . وإنما عرف ذلك طالوت بإخبار من النبي . وإن كان نبياً ـــ كما يروي عن بعضهم ـــ فبالوحي . وقرىء « بنهر » بالسكون . فإن قلت ممَّ استثنى قوله { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ } ؟ قلت من قوله { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي } والجملة الثانية في حكم المتأخرة ، إلا أنها قدّمت للعناية كما قدم { وَٱلصَّـٰبِئُونَ } المائدة 69 في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّـٰبِئُونَ } ومعناه الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع ، والدليل عليه قوله { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } أي فكرعوا فيه { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمْ } وقرىء « غَرفة » بالفتح بمعنى المصدر ، وبالضم بمعنى المغروف . وقرأ أبيّ والأعمش « إلا قليل » ، بالرفع . وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانباً ، وهو باب جليل من علم العربية . فلما كان معنى { فَشَرِبُواْ مِنْهُ } في معنى فلم يطيعوه ، حمل عليه ، كأنه قيل فلم يطيعوه إلا قليل منهم . ونحوه قول الفرزدق @ … لمْ يَدَعْ مِنَ الْمَالِ إلاّ مُسْحَتٌ أوْ مُجَلَّفُ @@ كأنه قال لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف . وقيل لم يبق مع طالوت إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني القليل { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ } يعني الخُلّص منهم الذين نصبوا بين أعينهم لقاه الله وأيقنوه . أو الذين تيقنوا أنهم يستشهدون عما قريب ويلقون الله ، والمؤمنون مختلفون في قوة اليقين ونصوع البصيرة . وقيل الضمير في { قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا } للكثير الذين انخذلوا ، والذين يظنون هم القليل الذين ثبتوا معه ، كأنهم تقاولوا بذلك والنهر بينهما . يظهر أولئك عذرهم في الانخذال ، ويرد عليهم هؤلاء ما يعتذرون به . وروي أنّ الغرفة كانت تكفي الرجل لشربه وإداوته . والذين شربوا منه اسودّت شفاههم وغلبهم العطش .