Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ طه 1 } أبو عمرو فخم الطاء لاستعلائها . وأمال الهاء وفخمها ابن كثير وابن عامر على الأصل ، والباقون أمالوهما وعن الحسن رضي الله عنه طه ، وفسر بأنه أمر بالوطء ، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقوم في تهجدِهِ على إحدى رجليه فأُمِرَ بأَنْ يطأَ الأرضَ بقدمَيْهِ معاً وأن الأصل طأ ، فقلبت همزته هاء أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال @ لاَ هَنَاكَ الْمَرْتَعُ @@ ثم بني عليه الأمر ، والهاء للسكت ويجوز أن يكتفي بشطري الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسميين ، والله أعلم بصحة ما يقال إن « طاها » في لغة عك في معنى يا رجل ، ولعل عكاً تصرفوا في « يا هذا » كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء ، فقالوا في « يا » « طا » ، واختصروا هذا فاقتصروا على ها ، وأثر الصنعة ظاهر لا يخفى في البيت المستشهد به @ إنَّ السَّفَاهَةَ طَاهَا في خَلاَئِقِكُم لاَقَدَّسَ اللَّهُ أخلاَقَ الْمَلاَعِينِ @@ الأقوال الثلاثة في الفواتح أعني التي قدمتها في أول الكاشف عن حقائق التنزيل ، هي التي يعوّل عليها الألباء المتقنون { مَآ أَنَزَلْنَا } إن جعلت { طه1 } تعديداً لأسماء الحروف على الوجه السابق ذكره فهو ابتداء كلام . وإن جعلتها اسماً للسورة احتملت أن تكون خبراً عنها وهي في موضع المبتدأ ، و { ٱلْقُرْءَانَ } ظاهر أوقع موقع الضمير لأنها قرآن ، وأن يكون جواباً لها وهي قسم . وقرىء « ما نزل عليك القرآن » { لِتَشْقَىٰۤ } لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم ، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى { لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ } الشعراء 3 والشقاء يجيء في معنى التعب . ومنه المثل أشقى من رائض مهر ، أي ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر ، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة ، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة . وقيل إن أبا جهل والنضر بن الحرث قالا له إنك شقى لأنك تركت دين آبائك ، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز ، والسبب في درك كل سعادة ، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها . وروي . 683 أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالليل حتى اسمغدَتْ قدماهُ ، فقالَ لَهُ جبريلُ عليه السلامُ أبقِ على نفسِكَ فإنَّ لهَا علَيكَ حَقاً . أي ما أنزلناه لتنهك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة الفادحة ، وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة ، وكل واحد من { لِتَشْقَىٰ } و { تَذْكِرَةً } علة للفعل ، إلا أن الأول وجب مجيئه مع اللام لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاتته شريطة الانتصاب على المفعولية ، والثاني جاز قطع اللام عنه ونصبه لاستجماعه الشرائط . فإن قلت أما يجوز أن تقول ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى ، كقوله تعالى { أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ } الحجرات 2 ؟ قلت بلى ، ولكنها نصبة طارئة ، كالنصبة في { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } الأعراف 155 وأما النصبة في تذكرة فهي كالتي في ضربت زيداً ، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها . فإن قلت هل يجوز أن يكون { تَذْكِرَةً } بدلا من محل { لِتَشْقَىٰ } ؟ قلت لا ، لاختلاف الجنسين ، ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي « إلا » فيه بمعنى « لكن » ويحتمل أن يكون المعنى إنا أنزلنا عليك القرآن لتحتمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاقّ وتكاليف النبوّة ، وما أنزلنا عليك هذا المتعب الشاق إلا ليكون تذكرة . وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون تذكرة حالاً ومفعول له { لِـّمَن يَخْشَىٰ } لمن يؤول أمره إلى الخشية ، ولمن يعلم الله منه أنه يبدل بالكفر إيماناً وبالقسوة خشية . في نصب { تَنزِيلاً } وجوه أن يكون بدلاً من تذكرة إذا جعل حالاً ، لا إذا كان مفعولاً له لأن الشيء لا يعلل بنفسه ، وأن ينصب بنزل مضمراً ، وأن ينصب بأنزلنا لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلنا تذكرة ، وأن ينصب على المدح والاختصاص وأن ينصب بـ يخشى مفعولاً به . أي أَنزله الله تذكرة لمن يخشى تنزيل الله ، وهو معنى حسن وإعراب بيِّن . وقرىء « تنزيل » بالرفع على خبر مبتدأ محذوف . ما بعد { تَنزِيلاً } إلى قوله { لَهُ ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } تعظيم وتفخيم لشأن المنزل ، لنسبته إلى من هذه أفعاله وصفاته ، ولا يخلو من أن يكون متعلقه إما { تَنزِيلاً } نفسه فيقع صلة له ، وإما محذوفاً فيقع صفة له . فإن قلت ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب ؟ قلت غير واحدة منهاعادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة . ومنها أنّ هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة . ومنها أنه قال أوّلاً { أَنزَلْنَا } ففخم بالإسناد إلى ضمير الواحد المطاع ، ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين ويجوز أن يكون { أَنزَلْنَا } حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه . { والسموات العلىٰ } وصف السموات بالعلى دلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها .