Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 68-70)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أجمعوا رأيهم - لما غلبوا - بإهلاكه وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح ، لم يكن أحد أبغض إليه من المحق . ولم يبق له مفزع إلا مناصبته ، كما فعلت قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم حين عجزوا عن المعارضة والذي أشار بإحراقه نمروذ . وعن ابن عمر رضي الله عنهما رجل من أعراب العجم يريد الأكراد . وروي أنهم حين هموا بإحراقه ، حبسوه ثم بنوا بيتاً كالحظيرة بكوثى ، وجمعوا شهراً أصناف الخشب الصلاب ، حتى إن كانت المرأة لتمرض فتقول إن عافاني الله لأجمعنّ خطباً لإبراهيم عليه السلام ، ثم أشعلوا ناراً عظيمة كادت الطير تحترق في الجوّ من وهجها . ثم وضعوه في المنجنيق مقيداً مغلولاً فرموا به فيها ، فناداها جبريل عليه السلام { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِى بَرْداً وَسَلَـٰمَا } ويحكى . ما أحرقت منه إلا وثاقه . وقال له جبريل عليه السلام حين رمي به هل لك حاجة ؟ فقال أما إليك فلا . قال فسل ربك . قال حسبي من سؤالي علمه بحالي . وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنما نجا بقوله حسبي الله ونعم الوكيل ، وأطل عليه نمروذ من الصرح فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة ، فقال إني مقرّب إلى إلٰهك ، فذبح أربعة آلاف بقرة وكفّ عن إبراهيم ، وكان إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه إذ ذاك ابن ست عشرة سنة . واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه ، ولذلك جاء 697 " لا يعذب بالنار إلا خالقها " ومن ثم قالوا { إِن كُنتُمْ فَـٰعِلِينَ } أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً ، فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراق بالنار ، وإلا فرّطتم في نصرتها . ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها ، ولم يألوا جهداً في ذلك . جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله . والمعنى ذات برد وسلام ، فبولغ في ذلك ، كأن ذاتها برد وسلام . والمراد ابردي فيسلم منك إبراهيم . أو ابردي برداً غير ضارّ . وعن ابن عباس رضي الله عنه لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها . فإن قلت كيف بردت النار وهي نار ؟ قلت نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق ، وأبقاها على الإضاءة والإشراق والاشتعال كما كانت ، والله على كل شيء قدير . ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك ، كما يفعل بخزنة جهنم ، ويدل عليه قوله { عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ } وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به ، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين غالبوه بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمبكت ، وفزعوا إلى القوّة والجبروت ، فنصره وقوّاه .