Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 15-22)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله { كَلاَّ فَٱذْهَبَا } لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف ، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله { فَٱذْهَبَا } أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون . فإن قلت علام عطف قوله { فَٱذْهَبَا } ؟ قلت على الفعل الذي يدل عليه { كَلاَّ } كأنه قيل ارتدع يا موسى عما تظنّ ، فاذهب أنت وهارون . وقوله { مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } من مجاز الكلام ، يريد أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه . فأظهركما وأُغلبكما وأكسر شوكته عنكما وأنكسه . ويجوز أن يكونا خبرين لأنّ ، أو يكون { مُّسْتَمِعُونَ } مستقراً ، و { مَّعَكُمْ } لغواً . فإن قلت لم جعلت { مُّسْتَمِعُونَ } قرينة { مَّعَكُمْ } في كونه من باب المجاز ، والله تعالى يوصف على الحقيقة بأنه سميع وسامع ؟ قلت ولكن لا يوصف بالمستمع على الحقيقة لأنّ الاستماع جار مجرى الإصغاء ، والاستماع من السمع بمنزلة النظر من الرؤية . ومنه قوله تعالى { قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً } الجن 1 ويقال استمع إلى حديثه وسمع حديثه ، أي أصغى إليه وأدركه بحاسة السمع . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم 782 " منِ استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم لَه كَارهونَ صُبَّ في أذنيه البرمُ " فإن قلت هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } طه 47 ؟ قلت الرسول يكون بمعنى المرسل ، وبمعنى الرسالة ، فجعل ثم بمعنى المرسل فلم يكن بدّ من تثنيته ، وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجاز التسوية فيه - إذا وصف به - بين الواحد والتثنية والجمع ، كما يفعل بالصفة بالمصادر ، نحو صوم ، وزور . قال @ أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَبْرٌ الرَّسُو لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ @@ فجعله للجماعة . والشاهد في الرسول بمعنى الرسالة قوله @ لَقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُم بِسِرٍّ وَلاَ أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ @@ ويجوز أن يوحد ، لأنّ حكمهما لتساندهما ، واتفاقهما على شريعة واحدة ، واتحادهما لذلك وللإخوة كان حكماً واحداً ، فكأنهما رسول واحد . أو أريد أنّ كل واحد منا { أَنْ أَرْسِلْ } بمعنى أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإرسال . وتقول أرسلت إليك أن أفعل كذا ، لما في الإرسال من معنى القول ، كما في المناداة والكتابة ونحو ذلك . ومعنى هذا الإرسال التخلية والإطلاق كقولك أرسل البازي ، يريد خلهم يذهبوا معنا إلى فلسطين ، وكانت مسكنهما . ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة ، حتى قال البواب إنّ ههنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال ائذن له لعلنا نضحك منه ، فأدّيا إليه الرسالة ، فعرف موسى فقال له { أَلَمْ نُرَبّكَ } حذف فأتيا فرعون فقالا له ذلك ، لأنه معلوم لا يشتبه . وهذا النوع من الاختصار كثير في التنزيل . الوليد الصبي لقرب عهده من الولادة . « ولبثت فينا من عمرك » وفي رواية عن أبي عمرو من عمرك ، بسكون الميم { سِنِينَ } قيل مكث عندهم ثلاثين سنة . وقيل وكز القطبي وهو ابن ثنتي عشرة سنة ، وفرّ منهم على أثرها ، والله أعلم بصحيح ذلك . وعن الشعبي فعلتك بالكسر ، وهي قتلة القبطي ، لأنه قتله بالوكزة وهو ضرب من القتل . وأما الفعلة فلأنها كانت وكزة واحدة . عدد عليه نعمته من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ، ووبخه بما جرى على يده من قتل خبازه ، وعظم ذلك وفظعه بقوله { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } يجوز أن يكون حالاً ، أي قتلته وأنت لذاك من الكافرين بنعمتي . أو أنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة ، وقد افترى عليه أو جهل أمره لأنه كان يعايشهم بالتقية ، فإنّ الله تعالى عاصم من يريد أن يستنبئه من كل كبيرة ومن بعض الصغائر ، فما بال الكفر . ويجوز أن يكون قوله { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } حكماً عليه بأنه من الكافرين بالنعم ، ومن كانت عادته كفران النعم لم يكن قتل خواص المنعم عليه بدعا منه . أو بأنه من الكافرين لفرعون وإلهيته . أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم ، فقد كانت لهم آلهة يعبدونهم ، يشهد لذلك قوله تعالى { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } الأعراف 127 وقرىء « إلهتك » ، فأجابه موسى بأن تلك الفعلة إنما فرطت منه وهو { مِنَ ٱلضَّالّينَ } أي الجاهلين . وقراءة ابن مسعود « من الجاهلين » ، مفسرة . والمعنى من الفاعلين فعل أولى الجهل والسفه . كما قال يوسف لإخوته { هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَـٰهِلُونَ } يوسف 89 أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل . أو الذاهبين عن الصواب . أو الناسين ، من قوله { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلاْخْرَىٰ } البقرة 282 وكذب فرعون ودفع الوصف بالكفر عن نفسه ، وبرّأ ساحته ، بأن وضع الضالين موضع الكافرين رَبئاً بمحل من رشح للنبوّة عن تلك الصفة ، ثم كرّ على امتنانه عليه بالتربية ، فأبطله من أصله واستأصله من سنخه ، وأبى أن يسمى نعمته إلا نقمة . حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بني إسرائيل لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته ، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت ، وتعبيدهم تذليلهم واتخاذهم عبيداً . يقال عبدت الرجل وأعبدته ، إذا اتخذته عبداً . قال @ عَلاَمَ يُعْبُدُنِي قَوْمِي وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ أَبَاعِرُ مَا شَاءُوا وَعُبْدَانُ @@ فإن قلت إذاً جواب وجزاء معاً ، والكلام وقع جواباً لفرعون ، فكيف وقع جزاء ؟ قلت قول فرعون { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ } فيه معنى إنك جازيت نعمتي بما فعلت ، فقال له موسى نعم فعلتها مجازياً لك ، تسليماً لقوله ، لأنّ نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء . فإن قلت لم جمع الضمير في منكم وخفتكم ؟ مع إفراده في تمنها وعبدت ؟ قلت الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله ، بدليل قوله { إِنَّ ٱلْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } القصص 20 وأما الامتنان فمنه وحده . وكذلك التعبيد . فإن قلت { تِلْكَ } إشارة إلى ماذا ، و { أَنْ عَبَّدتَّ } ما محلها من الإعراب ؟ قلت تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة ، لا يدري ما هي إلا بتفسيرها ومحل { أَنْ عَبَّدتَّ } . الرفع عطف بيان لتلك ، ونظيره قوله تعالى { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلاْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَـؤُلآْء مَقْطُوعٌ } الحجر 66 والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها على . وقال الزجاج ويجوز أن يكون { أَنْ } في موضع نصب ، المعنى إنما صارت نعمة عليّ لأن عبدت بني إسرائيل أي لو لم تفعل ذلك لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم .