Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 34-36)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما أحست منهم الميل إلى المحاربة ، رأت من الرأي الميل إلى الصلح والابتداء بما هو أحسن ، ورتبت الجواب ، فزيفت أولاً ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه بـ { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً } عنوة وقهراً { أَفْسَدُوهَا } أي خرّبوها - ومن ثمة قالوا للفساد الخربة - ، وأذلوا أعزتها ، وأهانوا أشرافها وقتلوا وأسروا ، فذكرت لهم عاقبة الحرب وسوء مغبتها ثم قالت { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } أرادت وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير ، لأنها كانت في بيت الملك القديم ، فسمعت نحو ذلك ورأت ، ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد . وقيل هو تصديق من الله لقولها ، وقد يتعلق الساعون في الأرض بالفساد بهذه الآية ويجعلونها حجة لأنفسهم . ومن استباح حراماً فقد كفر ، فإذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين { مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } أي مرسلة رسلاً بهدية أصانعه بها عن ملكي { فَنَاظِرَةٌ } ما يكون منه حتى أعمل على حسب ذلك ، فروي أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري ، وحليهنّ الأساور والأطواق ، والقِرَطَة راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر ، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان ، وألف لبنة من ذهب وفضة ، وتاجاً مكللاً بالدرّ والياقوت المرتفع والمسك والعنبر ، وحقاً فيه درّة عذراء ، وجزعة معوجة الثقب ، وبعثت رجلين من أشراف قومها المنذر بن عمرو ، وآخر ذا رأي وعقل ، وقالت إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري ، وثقب الدرّة ثقباً مستوياً ، وسلك في الخرزة خيطاً ، ثم قالت للمنذر إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك ، وإن رأيته بشاً لطيفاً فهو نبيّ ، فأقبل الهدهد فأخبر سليمان ، فأمر الجنّ فضربوا لبن الذهب والفضة ، وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ ، وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة ، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن ، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار ، ثم قعد على سريره والكراسيّ من جانبيه ، واصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ ، والإنس صفوفاً فراسخ ، والوحش والسباع والهوام والطيور كذلك ، فلما دنا القوم ونظروا بهتوا ، ورأوا الدواب تروث على اللبن ، فتقاصرت إليهم نفوسهم ورموا بما معهم ، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق وقال ما وراءكم ؟ وقال أين الحقّ ؟ وأخبره جبريل عليه السلام بما فيه فقال لهم إن فيه كذا وكذا ، ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت فيها ، فجعل رزقها في الشجرة . وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها ، فجعل رزقها في الفواكه . ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها ، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ، ثم رد الهدية وقال للمنذر ارجع إليهم ، فقالت هو نبيّ وما لنا به طاقة ، فشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل ، تحت كل قيل ألوف . وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه « فلما جاءوا » { أَتُمِدُّونَنِ } وقرىء بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة بالإدغام ، كقوله { أَتُحٰۤجُّوۤنِّى } وبنون واحدة أتمدوني . الهدية اسم المهدَي كما أن العطية اسم المعطي ، فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه ، تقول هذه هدية فلان ، تريد هي التي أهداها أو أهديت إليه ، والمضاف إليه ههنا هو المهدي إليه . والمعنى أن ما عندي خير مما عندكم ، وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع ، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه ، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به { بَلْ أَنتُمْ } قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فلذلك { تَفْرَحُونَ } بما تزادون ويُهدي إليكم ، لأن ذلك مبلغ همتكم وحالي خلاف حالكم وما أرضى منكم بشيء ولا أفرح به إلا بالإيمان وترك المجوسية . فإن قلت ما الفرق بين قولك أتمدني بمال وأنا أغنى منك ، وبين أن تقوله بالفاء ؟ قلت إذا قلته بالواو ، فقد جعلت مخاطبي عالماً بزيادتي عليه في الغنى واليسار ، وهو مع ذلك يمدني بالمال . وإذا قلته بالفاء ، فقد جعلته ممن خفيت عليه حالي ، فأنا أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له أنكر عليك ما فعلت ، فإني غني عنه . وعليه ورد قوله { فَمَا ءاتَـٰنِيَ ٱللَّهُ } . فإن قلت فما وجه الإضراب ؟ قلت لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها . ويجوز أن تجعل الهدية مضافة إلى المهدي ، ويكون المعنى بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار على الملوك ، بأنكم قدرتم على إهداء مثلها . ويحتمل أن يكون عبارة عن الردّ ، كأنه قال بل أنتم من حقكم أن تأخذوا هديتكم وتفرحوا بها .