Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 165-168)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } يريد ما أصابهم يوم أحد من قتل سبعين منهم { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين . و { لَّمّا } نصب بقلتم . و { أَصَـٰبَتْكُمْ } في محل الجرّ بإضافة { لَّمّا } إليه وتقديره أقلتم حين أصابتكم . و { أَنَّىٰ هَـٰذَا } نصب لأنه مقول ، والهمزة للتقرير والتقريع . فإن قلت علام عطفت الواو هذه الجملة ؟ قلت على ما مضى من قصة أحد من قوله { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف ، كأنه قيل أفعلتم كذا وقلتم حينئذ كذا ، أنى هذا من أين هذا . كقوله تعالى { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } آل عمران7 لقوله { مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } وقوله { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } والمعنى أنتم السبب فيما أصابكم ، لاختياركم الخروج من المدينة ، أو لتخليتكم المركز . وعن عليّ رضي الله عنه لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } فهو قادر على النصر وعلى منعه ، وعلى أن يصيب بكم تارة ويصيب منكم أخرى { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين { فـــ } هو كائن { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } أي بتخليته ، استعار الإذن لتخليته الكفار . وأنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم ، لأنّ الآذن مخل بين المأذون له ومراده { وَلِيَعْلَمَ } وهو كائن ليتميز المؤمنون والمنافقون ، وليظهر إيمان هؤلاء ونفاق هؤلاء { وَقِيلَ لَهُمْ } من جملة الصلة عطف على نافقوا ، وإنما لم يقل فقالوا لأنه جواب لسؤال اقتضاه دعاء المؤمنين لهم إلى القتال ، كأنه قيل فماذا قالوا لهم . فقيل قالوا لو نعلم . ويجوز أن تقتصر الصلة على { نَافَقُواْ } ، ويكون { وَقِيلَ لَهُمْ } كلاما مبتدأ قسم الأمر عليهم بين أن يقاتلوا للآخرة كما يقاتل المؤمنون ، وبين أن يقاتلوا إن لم يكن بهم غم الآخرة دفعاً عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم ، فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأساً لنفاقهم ودغلهم وذلك ما روى أن عبد الله بن أبيّ انخذل مع حلفائه ، فقيل له ، فقال ذلك . وقيل { أَوِ ٱدْفَعُواْ } العدوّ بتكثيركم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا لأنّ كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه . وعن سهل بن سعد الساعدي ـــ وقد كف بصره ـــ لو أمكنني لبعت داري ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوهم . قيل وكيف وقد ذهب بصرك ؟ قال لقوله { أَوِ ٱدْفَعُواْ } أراد كثروا سوادهم . ووجه آخر وهو أن يكون معنى قولهم { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً } لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً { لاَّتَّبَعْنَـٰكُمْ } يعنون أن ما أنتم فيه لخطإ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء ، ولا يقال لمثله قتال ، إنما هو إلقاء بالأنفس إلى التهلكة ، لأنّ رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة وما كان يستصوب الخروج { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَـٰنِ } يعني أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم ، فلما انخذلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا ، تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر . وقيل هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأنّ تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين { يَقُولُونَ بِأَفْوٰهِهِم } لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم ولا تعي قلوبهم منه شيئاً . وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم ، وأنّ إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم ، خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } من النفاق . وبما يجري بعضهم مع بعض من ذمّ المؤمنين وتجهيلهم وتخطئة رأيهم والشماتة بهم وغير ذلك ، لأنكم تعلمون بعض ذلك علماً مجملاً بأمارات ، وأنا أعلم كله علم إحاطة بتفاصيله وكيفياته { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } في إعرابه أوجه أن يكون نصباً على الذمّ أو على الردّ على الذين نافقوا ، أو رفعاً على هم الذين قالوا أو على الإبدال من واو يكتمون . ويجوز أن يكون مجروراً بدلاً من الضمير في بأفواههم أو قلوبهم ، كقوله @ عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالماءِ حَاتِمُ @@ { لإِخْوٰنِهِمْ } لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب وفي سكنى الدار { وَقَعَدُواْ } أي قالوا وقد قعدوا على القتال لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل { قُلْ فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } معناه قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلاً وهو القعود عن القتال ، فجدوا إلى دفع الموت سبيلاً ، يعني أن ذلك الدفع غير مغن عنكم ، لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت ، لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ، ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها . وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً . فإن قلت فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم بالقعود ، فما معنى قوله { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ؟ قلت معناه أن النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود عن القتال وأن يكون غيره ، لأن أسباب النجاة كثيرة ، وقد يكون قتال الرجل سبب نجاته ولو لم يقاتل لقتل ، فما يدريكم أن سبب نجاتكم القعود وأنكم صادقون في مقالتكم ؟ وما أنكرتم أن يكون السبب غيره . ووجه آخر إن كنتم صادقين في قولكم لو أطاعونا وقعدوا ما قتلوا ، يعني أنهم لو أطاعوكم وقعدوا لقتلوا قاعدين كما قتلوا مقاتلين . وقوله { فَادْرَءوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ } استهزاء بهم ، أي إن كنتم رجالاً دفاعين لأسباب الموت ، فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا .