Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 176-178)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } يقعون فيه سريعاً ويرغبون فيه أشدّ رغبة ، وهم الذين نافقوا من المتخلفين . وقيل هم قوم ارتدّوا عن الإسلام . فإن قلت فما معنى قوله { وَلاَ يَحْزُنكَ } ؟ ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتدّ ؟ قلت معناه لا يحزنوك لخوف أن يضرّوك ويعينوا عليك . ألا ترى إلى قوله { إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم ، وما وبال ذلك عائداً على غيرهم . ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله { يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِى ٱلاْخِرَةِ } أي نصيباً من الثواب { وَلَهُمْ } بدل الثواب { عَذَابٌ عظِيمٌ } وذلك أبلغ ما ضرّ به الإنسان نفسه . فإن قلت هلا قيل لا يجعل الله لهم حظاً في الآخرة ، وأيّ فائدة في ذكر الإرادة ؟ قلت فائدته الإشعار بأنّ الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصاً لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر ، تنبيهاً على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه ، حتى أنّ أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإيمَـٰنِ } إمّا أن يكون تكريراً لذكرهم للتأكيد والتسجيل عليهم بما أضاف إليهم . وإمّا أن يكون عاماً للكفار ، والأوّل خاصاً فيمن نافق من المتخلفين ، أو ارتدّ عن الإسلام أو على العكس . و { شَيْئاً } نصب على المصدر لأن المعنى شيئاً من الضرر وبعض الضرر { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فيمن قرأ بالتاء نصب و { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ } بدل منه أي ولا تحسبنّ أنّ ما نملي للكافرين خير لهم ، و « أن » مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين ، كقوله { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ } الفرقان44 وما مصدرية ، بمعنى ولا تحسبنّ أنّ إملاءنا خير ، وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة . ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف ، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف . فإن قلت كيف صحّ مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد ؟ قلت صحّ ذلك من حيث إنّ التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى ، ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، مع امتناع سكوتك على متاعك . ويجوز أن يقدّر مضاف محذوف على ولا تحسبنّ الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم . أو ولا تحسبنّ حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم . وهو فيمن قرأ بالياء رفع ، والفعل متعلق بأن وما في حيزه . والإملاء لهم تخليتهم وشأنهم ، مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء . وقيل هو إمهالهم وإطالة عمرهم . والمعنى ولا تحسبنّ أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } « ما » هذه حقها أن تكتب متصلة ، لأنها كافة دون الأولى ، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيراً لهم ، فقيل إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً . فإن قلت كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه لهم ؟ قلت هو علة للإملاء ، وما كل علة بغرض . ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشر ، وليس شيء منها بغرض لك . وإنما هي علل وأسباب ، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسبباً فيه . فإن قلت كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء كما كان العجز علة للقعود عن الحرب ؟ قلت لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثماً ، فكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه على طريق المجاز . وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الأولى وفتح الثانية . ولا يحسبنّ بالياء ، على معنى ولا يحسبنّ الذين كفروا أن إملاءنا لازدياد الإثم كما يفعلون ، وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان . وقوله { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ } اعتراض بين الفعل ومعموله . ومعناه أن إملاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه وعرفوا إنعام الله عليهم بتفسيح المدّة وترك المعاجلة بالعقوبة . فإن قلت فما معنى قوله { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } على هذه القراءة ؟ قلت معناه ولا تحسبوا إن إملاءنا لزيادة الإثم وللتعذيب ، والواو للحال ، كأنه قيل ليزداودا إثماً معداً لهم عذاب مهين .