Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-41)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُنَالِكَ } في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب أو في ذلك الوقت . فقد يستعار هنا وثم وحيث للزمان . لما رأى حال مريم في كرامتها على الله ومنزلتها ، رغب في أن يكون له من ايشاع ولد مثل ولد أختها حنة في النجابة والكرامة على الله ، وإن كانت عاقراً عجوزاً فقد كانت أختها كذلك . وقيل لما رأى الفاكهة في غير وقتها انتبه على جواز ولادة العاقر { ذُرِّيَّةَ } ولداً . والذرية يقع على الواحد والجمع { سَمِيعُ ٱلدُّعَاءِ } مجيبه . قرىء « فناداه الملائكة » . وقيل ناداه جبريل عليه السلام ، وإنما قيل الملائكة على قولهم فلان يركب الخيل { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّركَ } بالفتح على بأن الله ، وبالكسر على إرادة القول . أو لأن النداء نوع من القول . وقرىء « يبشرك » ، « ويبشرك » ، من بشره وأبشره . « ويَبْشُرك » بفتح الياء من بشره . ويحيى إن كان أعجمياً وهو الظاهر فمنع صرفه للتعريف والعجمة كموسى وعيسى ، وإن كان عربياً فللتعريف ووزن الفعل كيعمر { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } مصدّقاً بعيسى مؤمناً به . قيل هو أول من آمن به ، وسمي عيسى « كلمة » لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وحدها ، وهي قوله كن من غير سبب آخر . وقيل مصدّقاً بكلمة من الله ، مؤمناً بكتاب منه . وسمي الكتاب كلمة ، كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته . والسيد الذي يسود قومه ، أي يفوقهم في الشرف . وكان يحيى فائقاً لقومه وفائقاً للناس كلهم في أنه لم يركب سيئة قط ، ويالها من سيادة . والحصور الذي لا يقرب النساء حصراً لنفسه أي منعاً لها من الشهوات . وقيل هو الذي لا يدخل مع القوم في الميسر . قال الأخطل @ وَشَارِبٍ مُرْبِحٍ بِالكأْسِ نَادَمَني لاَ بِالْحَصُورِ وَلاَ فِيهَا بِسَئَّارِ @@ فاستعير لمن لا يدخل في اللعب واللهو . وقد روي أنه مرّ وهو طفل بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت { مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } ناشئاً من الصالحين ، لأنه كان من أصلاب الأنبياء ، أو كائناً من جملة الصالحين كقوله { وَإِنَّهُ فِى ٱلاْخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } البقرة 130 . { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَـٰمٌ } استبعاد من حيث العادة كما قالت مريم . { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } كقولهم أدركته السنّ العالية . والمعنى أثر فيّ الكبر فأضعفني ، وكانت له تسع وتسعون سنة ، ولامرأته ثمان وتسعون { كَذَٰلِكَ } أي يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة مثل ذلك الفعل ، وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر ، أو كذلك الله مبتدأ وخبر ، أي على نحو هذه الصفة الله ، ويفعل ما يشاء بيان له ، أي يفعل ما يريد من الأفاعيل الخارقة للعادات { ءَايَةً } علامة أعرف بها الحبل لأتلقى النعمة إذا جاءت بالشكر { قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ } تقدر على تكليم الناس { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } وإنما خص تكليم الناس ليعلمه أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة ، مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله ، ولذلك قال { وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبّحْ بِٱلْعَشِىّ وَٱلإبْكَـٰرِ } يعني في أيام عجزك عن تكليم الناس ، وهي من الآيات الباهرة . فإن قلت لم حبس لسانه عن كلام الناس ؟ قلت ليخلص المدّة لذكر الله لا يشغل لسانه بغيره ، توفراً منه على قضاء حق تلك النعمة الجسيمة ، وشكرها الذي طلب الآية من أجله ، كأنه لما طلب الآية من أجل الشكر قيل له آيتك أن تحبس لسانك إلا عن الشكر . وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال . ومنتزعاً منه { إِلاَّ رَمْزًا } إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما وأصله التحرّك . يقال ارتمز إذا تحرّك . ومنه قيل للبحر الراموز . وقرأ يحيى ابن وثاب « إلا رمزاً » بضمتين ، جمع رموز كرسول ورسل . وقرىء « رمزاً » بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم ، وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله @ مَتَى مَا تَلْقَني فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ رَوَانِفُ إلْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَ @@ بمعنى إلا مترامزين ، كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم . والعشيّ من حين تزول الشمس إلى أن تغيب . و { وٱلإِبْكٰرِ } من طلوع الفجر إلى وقت الضحى . وقرىء « والأبكار » ، بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار . يقال أتيته بكراً بفتحتين . فإن قلت الرمز ليس من جنس الكلام فكيف استثنى منه ؟ قلت لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاماً . ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً .