Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 70-73)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَوْلاً سَدِيداً } قاصداً إلى الحق والسداد القصد إلى الحق ، والقول بالعدل . يقال سدّد السهم نحو الرمية إذا لم يعدل به عن سمتها ، كما قالوا سهم قاصد ، والمراد نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول ، والبعث على أن يسد قولهم في كل باب لأنّ حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله . والمعنى راقبوا الله في حفظ ألسنتكم ، وتسديد قولكم ، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة من تقبل حسناتكم والإثابة عليها ، ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها . وقيل إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية وهذه الآية مقرّرة للتي قبلها ، بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام ، وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه . لما قال { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وعلق بالطاعة الفوز العظيم ، أتبعه قوله { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأمَانَةَ } وهو يريد بالأمانة الطاعة ، فعظم أمرها وفخم شأنها ، وفيه وجهان ، أحدهما أنّ هذه الأجرام العظام من السمٰوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله عزّ وعلا انقياد مثلها - وهو ما يتأتى من الجمادات - وأطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها . حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية على هيئات مختلفة وأشكال متنوعة ، كما قال { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } فصلت 11 وأما الإنسان فلم تكن حاله - فيما يصحّ منه من الطاعات ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه ، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف - مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع ، والمراد بالأمانة الطاعة لأنها لازمة الوجود ، كما أن الأمانة لازمة الأداء . وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها مجاز . وأما حمل الأمانة فمن قولك فلان حامل للأمانة ومحتمل لها ، تريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها لأنّ الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها ، ألا تراهم يقولون ركبته الديون ، ولي عليه حق ، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملاً لها . ونحوه قولهم ، لا يملك مولى لمولى نصراً . يريدون أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها ، ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل ، ومنه قول القائل @ أَخُوكَ الَّذِي لاَ تَمْلِكُ الْحِسَّ نَفسُه وَتَرْفَضُّ عِنْدَ الْمُحْفِظَاتِ الْكَتَائِفُ @@ أي لا يمسك الرقة والعطف إمساك المالك الضنين ما في يده ، بل يبذل ذلك ويسمح به . ومنه قولهم أبغض حق أخيك ؟ لأنه إذا أحبه لم يخرجه إلى أخيه ولم يؤده ، وإذا أبغضه أخرجه وأدّاه ، فمعنى ، فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان ، فأبين إلاّ أن يؤدينها وأبى الإنسان إلاّ أن يكون محتملاً لها لا يؤديها . ثم وصفه بالظلم لكونه تاركاً لأداء الأمانة ، وبالجهل لإخطائه ما يسعده مع تمكنه منه وهو أداؤها . والثاني أن ما كلفه الإنسان بلغ من عظمه وثقل محمله أنه عرض على أعظم ما خلق الله من الأجرام وأقواه وأشدّه أن يتحمله ويستقل به ، فأبى حمله والاستقلال به وأشفق منه ، وحمله الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } حيث حمل الأمانة ثم لم يف بها ، وضمنها ثم خاس بضمانه فيها ، ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب . وما جاء القرآن إلاّ على طرقهم وأساليبهم من ذلك قولهم لو قيل للشحم أين تذهب ؟ لقال أسوي العوج ، وكم وكم لهم من أمثال على ألسنة البهائم والجمادات . وتصوّر مقاولة الشحم محال ، ولكن الغرض أنّ السمن في الحيوان مما يحسن قبيحه ، كما أن العجف مما يقبح حسنه ، فصوّر أثر السمن فيه تصويراً هو أوقع في نفس السامع ، وهي به آنس وله أقبل ، وعلى حقيقته أوقف ، وكذلك تصوير عظم الأمانة وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها . فإن قلت قد علم وجه التمثيل في قولهم للذي لا يثبت على رأي واحد أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى لأنه مثلت حاله - في تميله وترجحه بين الرأيين وتركه المضي على أحدهما - بحال من يتردد في ذهابه فلا يجمع رجليه للمضي في وجهه . وكل واحد من الممثل والممثل به شيء مستقيم داخل تحت الصحة والمعرفة ، وليس كذلك ما في هذه الآية فإن عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال في نفسه ، غير مستقيم ، فكيف صحّ بناء التمثيل على المحال ، وما مقال هذا إلاّ أن تشبه شيئاً والمشبه به غير معقول . قلت الممثل به في الآية وفي قولهم لو قيل للشحم أين تذهب . وفي نظائره مفروض ، والمفروضات تتخيل في الذهن كما المحققات مثلت حال التكليف في صعوبته وثقل محمله بحاله المفروضة لو عرضت على السمٰوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها . واللام في { لّيُعَذّبَ } لام التعليل على طريق المجاز لأنّ التعذيب نتيجة حمل الأمانة ، كما أن التأديب في ضربته للتأديب نتيجة الضرب . وقرأ الأعمش « ويتوب » ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ، ويبتدىء « ويتوب الله » . ومعنى قراءة العامة ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها ، لأنه إذا تيب على الوافي كان ذلك نوعاً من عذاب الغادر ، والله أعلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 912 " من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله وما ملكت يمينه ، أعطي الأمان من عذاب القبر " .