Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 32-33)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أولى الاسم أعني { نَحْنُ } حرف الإنكار لأنّ الغرض إنكار أن يكونوا هم الصادّين لهم عن الإيمان ، وإثبات أنهم هم الذين صدّوا بأنفسهم عنه ، وأنهم أتوا من قبل اختيارهم ، كأنهم قالوا أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكنين مختارين { بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ } بعد أن صممتم على الدخول في الإيمان وصحّت نياتكم في اختياره ؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظها وآثرتم الضلال على الهدى وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهي ، فكنتم مجرمين كافرين لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا . فإن قلت إذ وإذا من الظروف اللازمة للظرفية ، فلم وقعت إذ مضافاً إليها ؟ قلت قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره ، فإضيف إليها الزمان ، كما أضيف إلى الجمل في قولك جئتك بعد إذ جاء زيد ، وحينئذ ، ويومئذ ، وكان ذلك أوان الحجاج أمير ، وحين خرج زيد . لما أنكر المستكبرون بقولهم { أَنَحْنُ صَدَدنَـٰكُمْ } أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين وأثبتوا بقولهم { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } أن ذلك بكسبهم واختيارهم ، كرّ عليهم المستضعفون بقولهم { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } فأبطلوا بإضرابهم ، كأنهم قالوا ما كان الإجرام من جهتنا ، بل من جهة مكركم لنا دائباً ليلاً ونهاراً ، وحملكم إيانا على الشرك واتخاذ الأنداد . ومعنى مكر الليل والنهار مكركم في الليل والنهار ، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به وإضافة المكر إليه . أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي . وقرىء « بل مكر الليل والنهار » بالتنوين ونصب الظرفين . وبل مكرّ الليل والنهار بالرفع والنصب . أي تكرّون الإغواء مكرّاً دائباً لا تفترون عنه ، فإن قلت ما وجه الرفع والنصب ؟ قلت هو مبتدأ أو خبر ، على معنى بل سبب مكركم أو مكرّكم أو مكركم أو مكرّكم سبب ذلك . والنصب على بل تكرّون الإغواء مكرّ الليل والنهار . فإن قلت لم قيل { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } ، بغير عاطف وقيل { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } ؟ قلت لأن الذين استضعفوا مرّ أولاً كلامهم ، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريقة الاستئناف ، ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين ، فعطف على كلامهم الأوّل . فإن قلت من صاحب الضمير في { وَأَسَرُّواْ } قلت الجنس المشتمل على النوعين من المستكبرين والمستضعفين ، وهم الظالمون في قوله { إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ } سبأ 31 يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم ، والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين { فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي في أعناقهم ، فجاء بالصريح للتنويه بذمهم ، وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال . وعن قتاده أسروا الكلام بذلك بينهم . وقيل أسروا الندامة أظهروها ، وهو من الأضداد .