Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 7-8)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قريش . قال بعضهم لبعض { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم يحدثكم بأعجوبة من الأعاجيب أنكم تبعثون وتنشئون خلقاً جديداً بعد أن تكونوا رفاتاً وتراباً ويمزق أجسادكم البلى كل ممزق ، أي يفرقكم ويبدد أجزاءكم كل تبديد . أهو مفتر على الله كذباً فيما ينسب إليه من ذلك ؟ أم به جنون يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه ؟ ثم قال سبحانه ليس محمد من الافتراء والجنون في شيء ، وهو مبرأ منهما بل هؤلاء القائلون الكافرون بالبعث واقعون في عذاب النار فيما يؤديهم إليه من الضلال عن الحق وهم غافلون عن ذلك ، وذلك أجنّ الجنون وأشدّه إطباقاً على عقولهم جعل وقوعهم في العذاب رسيلاً لوقوعهم في الضلال ، كأنهما كائنان في وقت واحد لأنّ الضلال لما كان العذاب من لوازمه وموجباته جعلا كأنهما في الحقيقة مقترنان . وقرأ زيد بن عليّ رضي الله عنه ينبيكم . فإن قلت فقد جعلت الممزق مصدراً ، كبيت الكتاب @ أَلَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِي الْقَوَافِي فَلاَعِيّاً بِهِنَّ وَلاَ اجْتِلاَبَاً @@ فهل يجوز أن يكون مكاناً ؟ قلت نعم . ومعناه ما حصل من الأموات في بطون الطير والسباع ، وما مرّت به السيول فذهبت به كل مذهب ، وما سفته الرياح فطرحته كل مطرح . فإن قلت ما العامل في إذا ؟ قلت ما دلّ عليه { إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ } وقد سبق نظيره . فإن قلت الجديد فعيل بمعنى فاعل أم مفعول ؟ قلت هو عند البصريين بمعنى فاعل ، تقول جد فهو جديد ، كحدّ فهو حديد ، وقلّ فهو قليل . وعند الكوفيين بمعنى مفعول ، من جدّه إذا قطعه . وقالوا هو الذي جده الناسج الساعة في الثوب ثم شاع . ويقولون ولهذا قالوا ملحفة جديد ، وهي عند البصريين كقوله تعالى { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } الأعراف 56 ونحو ذلك . فإن قلت لم أسقطت الهمزة في قوله { ٱفْتَرَىٰ } دون قوله { ٱلسِّحْرُ } ، وكلتاهما همزة وصل ؟ قلت القياس الطرح ، ولكون أمراً اضطرّهم إلى ترك إسقاطها في نحو { ٱلسِّحْرُ } وهو خوف التباس الاستفهام بالخبر ، لكون همزة الوصل مفتوحة كهمزة الاستفهام . فإن قلت ما معنى وصف الضلال بالبعد ؟ قلت هو من الإسناد المجازي لأنّ البعيد صفة الضال إذا بعد عن الجادّة ، وكلما ازداد عنها بعداً كان أضلّ . فإن قلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهوراً علماً في قريش ، وكان إنباؤه بالبعث شائعاً عندهم ، فما معنى قوله { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ } فنكروه لهم ، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدلّ على مجهول في أمر مجهول . قلت كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية ، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي متجاهلين به وبأمره .