Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-28)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلْوَانُهَا } أجناسها من الرمّان والتفاح والتين والعنب وغيرها مما لا يحصر أو هيئاتها من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها . والجدد الخطط والطرائق . قال لبيد @ أَوْ مَذْهَبْ جُدَد عَلَى أَلْوَاحِهِ @@ ويقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه { وَغَرَابِيبُ } معطوف على بيض أو على جدد ، كأنه قيل ومن الجبال مخطط ذو جدد ، ومنها ما هو على لون واحد غرابيب . وعن عكرمة رضي الله عنه هي الجبال الطوال السود . فإن قلت الغربيب تأكيد للأسود . يقال أسود غربيب ، وأسود حلكوك وهو الذي أبعد في السواد وأغرب فيه . ومنه الغراب ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع ، وأبيض يقق وما أشبه ذلك . قلت وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر ، كقول النابغة @ وَالْمُؤْمِنُ العَائِذَاتِ الطَّيْرِ … @@ وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد ، حيث يدلّ على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار جميعاً ، ولا بدّ من تقدير حذف المضاف في قوله تعالى { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ } بمعنى ومن الجبال ذو جدد بيض وحمر وسود ، حتى يؤول إلى قولك ومن الجبال مختلف ألوانه كما قال ثمرات مختلفاً ألوانها { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَابّ وَٱلاْنْعَـٰمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوٰنُهُ } يعني ومنهم بعض مختلف ألوانه . وقرىء « ألوانها » ، وقرأ الزهري « جدد » ، بالضم جمع جديدة ، وهي الجدّة . يقال جديدة وجدد وجدائد ، كسفينة وسفن وسفائن . وقد فسر بها قول أبي ذؤيب يصف حمار وحش @ جُونُ السَّرَاةِ لَهُ جَدَائِدُ ارْبَعُ @@ وروي عنه جدد ، بفتحتين ، وهو الطريق الواضح المسفر وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض . وقرىء « والدواب » مخففاً ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ « ولا الضألين » لأنّ كل واحد منهما فرار من التقاء الساكنين ، فحرك ذاك أوّلهما ، وحذف هذا أخرهما . وقوله { كَذٰلِكَ } أي كاختلاف الثمرات والجبال . والمراد العلماء به الذين علموه بصفاته وعدله وتوحيده ، وما يجوز عليه وما لا يجوز ، فعظموه وقدروه حق قدره ، وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علماً ازداد منه خوفاً ، ومن كان علمه به أقل كان آمن . وفي الحديث 924 " أَعلمُكُم بِاللَّهِ أَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً " وعن مسروق كفى بالمرء علماً أن يخشى ، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه . وقال رجل للشعبي أفتني أيها العالم ، فقال العالم من خشي الله . وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه . فإن قلت هل يختلف المعنى إذا قدّم المفعول في هذا الكلام أو أخر ؟ قلت لا بدّ من ذلك ، فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى أنّ الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم ، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله ، كقوله تعالى { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } الأحزاب 39 وهما معنيان مختلفان . فإن قلت ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله ؟ قلت لما قال { أَلَمْ تَرَ } بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء ، وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدلّ به عليه وعلى صفاته ، أتبع ذلك { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاء } كأنه قال إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 925 " أَنَا أَرجُو أَنْ أكونَ أتقاكُم للَّهِ وأَعْلَمَكُمْ بِهِ " فإن قلت فما وجه قراءة من قرأ « إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءَ » وهو عمر بن عبد العزيز ويحكى عن أبي حنيفة ؟ قلت الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى إنما يجلهم ويعظمهم ، كما يجلّ المهيب المخشي من الرجال بين الناس ومن بين جميع عباده { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على عقوبة العصاة ، وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم ، والمعاقب المثيب حقه أن يخشى .