Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 2-2)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
استعير الفتح للإطلاق والإرسال . ألا ترى إلى قوله { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } مكان لا فاتح له ، يعني أي شيء يطلق الله من رحمة أي من نعمة رزق أو مطر أو صحة أو أمن أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها ، وتنكيره الرحمة للإشاعة والإبهام ، كأنه قال من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية ، فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها ، وأيّ شيء يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه . فإن قلت لم أنث الضمير أوّلاً ، ثم ذكر آخراً ؟ وهو راجع في الحالين إلى الاسم المتضمن معنى الشرط ؟ قلت هما لغتان الحمل على المعنى وعلى اللفظ ، والمتكلم على الخيرة فيهما ، فأنث على معنى الرحمة ، وذكر على أن لفظ المرجوع إليه لا تأنيث فيه ، ولأن الأوّل فسر بالرحمة ، فحسن اتباع الضمير التفسير ، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير وقرىء « فلا مرسل لها » . فإن قلت لا بدّ للثاني من تفسير ، فما تفسيره ؟ قلت يحتمل أن يكون تفسيره مثل تفسير الأول . ولكنه ترك لدلالته عليه ، وأن يكون مطلقاً في كل ما يمسكه من غضبه ورحمته ، وإنما فسر الأوّل دون الثاني للدلالة على أن رحمته سبقت غضبه . فإن قلت فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ؟ قلت إن أراد بالتوبة الهداية لها والتوفيق فيها - وهو الذي أراده ابن عباس رضي الله عنهما إن قاله - فمقبول وإن إراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب ، وإن لم يشأ لم يتب فمردود لأنّ الله تعالى يشاء التوبة أبداً ، ولا يجوز عليه أن يشاءها { مِن بَعْدِهِ } من بعد إمساكه ، كقوله تعالى { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ } الجاثية 23 ، { فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ } الجاثية 6 أي من بعد هدايته وبعد آياته { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على الإرسال والإمساك { ٱلْحَكِيمُ } الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه .