Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 8-8)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا ، قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً } يعني أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين ، كمن لم يزين له ، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « لا » فقال { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشآء وَيَهْدِى مَن يَشَآء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرٰتٍ } ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد ، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح ، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه ، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي ، ويعتنق طاعة الهوى ، حتى يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً ، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه ، ويقعد تحت قول أبي نواس @ اْقِنِي حَتَّى تَرَانِي حَسَناً عِنْدِي الْقَبِيحُ @@ وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم ، فإن على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقي بالاً إلى ذكرهم ، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم . وذكر الزجاج أنّ المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة فلا تذهب نفسك عليه أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ، فحذف لدلالة { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ } عليه حسرات مفعول له يعني فلا تهلك نفسك للحسرات . وعليهم صلة تذهب ، كما تقول هلك عليه حباً ، ومات عليه حزناً . أو هو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بحسرات ، لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته ، ويجوز أن يكون حالاً كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر ، كما قال جرير @ مَشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى حَتَّى ذَهَبْنَ كَلاَكِلاً وَصُدُورَاً @@ يريد رجعن كلاكلاً وصدوراً ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قوله @ فَعَلَى إثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسِي حَسَرَاتٍ وَذِكْرُهُمْ لِي سَقَامُ @@ وقرىء « فلا تذهب نفسك » { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم .