Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 69-70)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر ، وروى أنّ القائل عقبة بن أبي معيط ، فقيل { وَمَا عَلَّمْنَـٰهُ ٱلشّعْرَ } أي وما علمناه بتعليم القرآن الشعر ، على معنى أنّ القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء . وأين هو عن الشعر ، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى ، يدل على معنى ، فأين الوزن ؟ وأين التقفية ؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه ؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه ؟ فإذاً لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت ، اللهمّ إلا أنّ هذا لفظه عربي ، كما أنّ ذاك كذلك { وَمَا يَنبَغِى لَهُ } وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه ، أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل ، كما جعلناه أمّياً لا يتهدّى للخط ولا يحسنه ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض . وعن الخليل كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ، ولكن كان لا يتأتى له . فإن قلت 939 فقوله " أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ " 940 وقوله " هَلْ أَنْتَ إلاَّ أُصْبُعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ " قلت ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة ، من غير صنعة ولا تكلف ، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزوناً ، كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعراً ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر ، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ، على أن الخليل ما كان يعدّ المشطور من الرجز شعراً ، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال { إنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ } يعني ما هو إلا ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجنّ ، كما قال { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ } التكوير 27 وما هو إلا قرآن كتاب سماوي ، يقرأ في المحاريب ، ويتلى في المتعبدات ، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين ، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين ؟ { لّيُنذِرَ } القرآن أو الرسول وقرىء « لتنذر » بالتاء . ولينذر من نذر به إذا علمه { مَن كَانَ حَيّاً } أي عاقلاً متأملاً ، لأن الغافل كالميت . أو معلوماً منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان { وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ } وتجب كلمة العذاب { عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } الذي لا يتأملون ولا يتوقع منهم الإيمان .