Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 27-35)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اليمين لما كانت أشرف العضوين وأمتنهما وكانوا يتيمنون بها ، فيها يصافحون ويماسحون ويناولون ويتناولون ، ويزاولون أكثر الأمور ، ويتشاءمون بالشمال ، ولذلك سموها الشؤمى ، كما سموا أختها اليمنى ، وتيمنوا بالسانح ، وتطيروا بالبارح ، وكان الأعسر معيباً عندهم ، وعضدت الشريعة ذلك ، فأمرت بمباشرة أفاضل الأمور باليمين ، وأراذلها بالشمال . 946 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء ، وجعلت اليمين لكاتب الحسنات والشمال لكاتب السيئات ووعد المحسن أن يؤتى كتابه بيمينه ، والمسيء أن يؤتاه بشماله استعيرت لجهة الخير وجانبه ، فقيل أتاه عن اليمين ، أي من قبل الخير وناحيته ، فصدّه عنه وأضلّه . وجاء في بعض التفاسير من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق . ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات . ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل التكذيب بالقيامة وبالثواب والعقاب . ومن أتاه من خلفه خوّفه الفقر على نفسه وعلى من يخلف بعده فلم يصل رحماً ولم يؤد زكاة . فإن قلت قولهم أتاه من جهة الخير وناحيته ، مجاز في نفسه ، فكيف جعلت اليمين مجازاً عن المجاز ؟ قلت من المجاز ما غلب في الاستعمال حتى لحق بالحقائق ، وهذا من ذاك ولك أن تجعلها مستعارة للقوّة والقهر لأنّ اليمين موصوفة بالقوة ، وبها يقع البطش . والمعنى أنكم كنتم تأتوننا عن القوّة والقهر ، وتقصدوننا عن السلطان والغلبة حتى تحملونا على الضلال وتقسرونا عليه . وهذا من خطاب الأتباع لرؤسائهم ، والغواة لشياطينهم { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } بل أبيتم أنتم الإيمان وأعرضتم عنه ، مع تمكنكم منه مختارين له على الكفر . غير ملجئين إليه { وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ } من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختياركم { بَلْ كُنتُمْ قَوْماً } مختارين الطغيان { فَحَقَّ عَلَيْنَا } فلزمنا { قَوْلُ رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ } يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة ، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة ، ولو حكى الوعيد كما هو لقال إنكم لذائقون ، لكنه عدل به إلى لفظ المتكلم لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم . ونحوه قول القائل @ لَقَدْ زَعَمَتْ هَوَازِنُ قَلَّ مَالِي @@ ولو حكى قولها لقال قل مالك . ومنه قول المحلف للحالف احلف لأخرجنّ ، ولتخرجنّ الهمزة لحكاية لفظ الحالف ، والتاء لإقبال المحلف على المحلف { فَأَغْوَيْنَـٰكُمْ } فدعوناكم إلى الغي دعوة محصلة للبغية ، لقبولكم لها واستحبابكم الغيّ على الرشد { إِنَّا كُنَّا غَـٰوِينَ } فأردنا إغواءكم لتكونوا أمثالنا { فَإِنَّهُمْ } فإن الأتباع والمتبوعين جميعاً { يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة مشتركون في العذاب كما كانوا مشتركين في الغواية { إِنَّا } مثل ذلك الفعل { نَفْعَلُ } بكل مجرم ، يعني أنّ سبب العقوبة هو الإجرام ، فمن ارتكبه استوجبها { إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا } سمعوا بكلمة التوحيد نفروا أو استكبروا عنها وأبوا إلا الشرك .