Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 54-59)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنِـيبُواْ إِلَىٰ رَبّكُمْ } وتوبوا إليه { وَأَسْلِمُواْ لَهُ } وأخلصوا له العمل ، إنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة ، وللدلالة على أنها شرط فيها لازم لا تحصل بدونه { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـم } مثل قوله { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } الزمر 18 . { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } أي يفجؤكم وأنتم غافلون ، كأنكم لا تخشون شيئاً لفرط غفلتكم وسهوكم { أَن تَقُولَ نَفْسٌ } كراهة أن تقول . فإن قلت لم نكرت ؟ قلت لأنّ المراد بها بعض الأنفس ، وهي نفس الكافر . ويجوز أن يراد نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد . أو بعذاب عظيم . ويجوز أن يراد التكثير ، كما قال الأعشى @ وَرَبَّ بَقِيعٍ لَوْ هَتَفْتُ بِحَوِّهِ أَتَانِي كَرِيمٌ يَنْفُضُ الرَّأْسَ مُغْضَبَا @@ وهو يريد أفواجاً من الكرام ينصرونه ، لا كريماً واحداً . ونظيره ربّ بلد قطعت ، ورب بطل قارعت . وقد اختلس الطعنة ولا يقصد إلاّ التكثير . وقرىء « يا حسرتي » على الأصل . ويا حسرتاي ، على الجمع بين العوض والمعوّض منه . والجنب الجانب ، يقال أنا في جنب فلان وجانبه وناحيته ، وفلان لين الجنب والجانب ، ثم قالوا فرّط في جنبه وفي جانبه ، يريدون في حقه . قال سابق البربري @ أَمَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي جَنْبِ وَامِقٍ لَهُ كَبِدٌ حَرَّى عَلَيْكَ تَقَطَّعُ @@ وهذا من باب الكناية لأنك إذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه ، فقد أثبته فيه . ألا ترى إلى قوله @ إنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَة وَالنَّدَى فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ @@ ومنه قول الناس لمكانك فعلت كذا ، يريدون لأجلك . وفي الحديث 971 " من الشرك الخفيّ أن يصلي الرجل لمكان الرجل " وكذلك فعلت هذا من جهتك . فمن حيث لم يبق فرق فيما يرجع إلى أداء الغرض بين ذكر المكان وتركه ، قيل { فَرَّطَتُ فِى جَنبِ ٱللَّهِ } على معنى فرطتُ في ذات الله . فإن قلت فمرجع كلامك إلى أن ذكر الجنب كلا ذكر سوى ما يعطى من حسن الكناية وبلاغتها ، فكأنه قيل فرطت في الله . فما معنى فرطت في الله ؟ قلت لا بدّ من تقدير مضاف محذوف ، سواء ذكر الجنب أو لم يذكر . والمعنى فرطت في طاعة الله وعبادة الله ، وما أشبه ذلك . وفي حرف عبد الله وحفصة في ذكر الله . « وما » في « ما فرطت » مصدرية مثلها في { بِمَا رَحُبَتْ } التوبة 25 ، التوبة 118 ، { وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ } قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها ، ومحل { وَإِن كُنتُ } على النصب على الحال ، كأنه قال فرطت وأنا ساخر ، أي فرطت في حال سخريتي . وروى أنه كان في بني إسرائيل عالم ترك علمه وفسق . وأتاه إبليس فقال له تمتع من الدنيا ثم تب ، فأطاعه ، وكان له مال فأنفقه في الفجوز ، فأتاه ملك الموت في ألذّ ما كان فقال يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله ، ذهب عمري في طاعة الشيطان ، وأسخطت ربي فندم حين لم ينفعه الندم ، فأنزل الله خبره في القرآن { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدٰنِى } لا يخلو إما أن يريد به الهداية بالإلجاء أو بالإلطاف أو بالوحي ، فالإلجاء خارج عن الحكمة ، ولم يكن من أهل الإلطاف فليلطف به . وأما الوحي فقد كان ، ولكنه عرض ولن يتبعه حتى يهتدي ، وإنما يقول هذا تحيراً في أمره وتعللاً بما لا يجدي عليه ، كما حكى عنهم التعلل بإغواء الرؤوساء والشياطين ونحو ذلك ونحوه { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } إبراهيم 21 وقوله { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ ءَايَـٰتِى } ردّ من الله عليه ، معناه بلى قد هديت بالوحي فكذبت به واستكبرت عن قبوله ، وآثرت الكفر على الإيمان ، والضلالة على الهدى . وقرىء بكسر التاء على مخاطبة النفس . فإن قلت فهلا قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدٰنِى } ولم يفصل بينهما بآية ؟ قلت لأنه لا يخلو إما أن يقدّم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن . وإما أن تؤخر القرينة الوسطى ، فلم يحسن الأوّل لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن . وأما الثاني فلما فيه من نقص الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعلل بفقد الهداية ، ثم تمني الرجعة فكان الصواب ما جاء عليه ، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب . فإن قلت كيف صحّ أن تقع بلى جواباً لغير منفي ؟ قلت { لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَٰنِى } فيه معنى ما هُديت .