Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 67-67)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما كان العظيم من الأشياء إذا عرفه الإنسان حق معرفته وقدره في نفسه حقّ تقديره وعظمه حق تعظيمه قيل { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } وقرىء بالتشديد على معنى وما عظموه كنه تعظيمه ، ثم نبههم على عظمته وجلالة شأنه على طريقة التخييل فقال { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز ، وكذلك حكم ما يروى 973 أن جبريل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا أبا القاسم ، إن الله يمسك السمٰوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع والشجر على أصبع و الثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع ، ثم يهزهن فيقول أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً مما قال ثم قرأ تصديقاً له { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } … الآية ، وإنما ضحك أفصح العرب صلى الله عليه وسلم وتعجب لأنه لم يفهم منه إلاّ ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هزّ ولا شيء من ذلك ، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة ، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هواناً لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه ، إلا إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل ، ولا ترى باباً في علم البيان أدقّ ولا أرقّ ولا ألطف من هذا الباب ، ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء ، فإنّ أكثره وعليته تخييلات قد زلت فيها الأقدام قديماً ، وما أوتي الزالون إلاّ من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير ، حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علماً لو قدره حق قدره ، لما خفي عليهم أنّ العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه ، إذ لا يحل عقدها الموربة ولا يفك قيودها المكربة إلا هو ، وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول ، وقد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات الغثة ، والوجوه الرثة ، لأنّ من تأول ليس من هذا العلم في عير ولا نفير ، ولا يعرف قبيلاً منه من دبير والمراد والأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك شاهدان ، قوله { جَمِيعـاً } وقوله { وَٱلسَّمَـٰوٰتُ } ولأنّ الموضع موضع تفخيم وتعظيم ، فهو مقتض للمبالغة ، ومع القصد إلى الجمع وتأكيده بالجميع اتبع الجميع مؤكدة قبل مجيء الخبر ، ليعلم أوّل الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة ، ولكن عن الأراضي كلهن . والقبضة المرة من القبض { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } طه 96 والقبضة - بالضم - المقدار المقبوض بالكف ، ويقال أيضاً أعطني قبضة من كذا تريد معنى القبضة تسمية بالمصدر ، كما روى 974 أنه نهى عن خطفة السبع وكلا المعنيين محتمل . والمعنى الأرضون جميعاً قبضته ، أي ذوات قبضته يقبضهن قبضة واحدة ، يعني أنّ الأرضين مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلاّ قبضة واحدة من قبضاته ، كأنه يقبضها قبضة بكف واحدة ، كما تقول الجزور أكلة لقمان ، والقلة جرعته ، أي ذات أكلته وذات جرعته تريد أنهما لا يفيان إلا بأكلة فذة من أكلاته ، وجرعة فردة من جرعاته . وإذا أريد معنى القبضة فظاهر ، لأنّ المعنى أنّ الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة . فإن قلت ما وجه قراءة من قرأ « قبضته » بالنصب ؟ قلت جعلها ظرفاً مشبهاً للمؤقت بالمبهم { مَطْوِيَّـٰتٌ } من الطي الذي هو ضدّ النشر ، كما قال تعالى { يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء كَطَىّ ٱلسّجِلّ لِلْكُتُبِ } الأنبياء 104 وعادة طاوي السجل أن يطويه بيمينه ، وقيل قبضته ملكه بلا مدافع ولا منازع ، وبيمينه بقدرته . وقيل مطويات بيمينه مفنيات بقسمه لأنه أقسم أن يفنيها ، ومن اشتم رائحة من علمنا هذا فليعرض عليه هذا التأويل ليتلهى بالتعجب منه ومن قائله ، ثم يبكي حمية لكلام الله المعجز بفصاحته ، وما مني به من أمثاله وأثقل منه على الروح ، وأصدع للكبد تدوين العلماء قوله ، واستحسانهم له ، وحكايته على فروع المنابر ، واستجلاب الاهتزاز به من السامعين . وقرىء « مطويات » على نظم السمٰوات في حكم الأرض ، ودخولها تحت القبضة ، ونصب مطويات على الحال { سبحانه وتعالى } ما أبعد من هذه قدرته وعظمته ، وما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء .