Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يا بني آدم { خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم . فإن قلت علام عطف قوله { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } ؟ قلت فيه وجهان أحدهما أن يعطف على محذوف ، كأنه قيل من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها ، وخلق منها زوجها . وإنما حذف لدلالة المعنى عليه . والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها ، وهي أنه أنشأها من تراب وخلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها { وَبَثَّ مِنْهُمَا } نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث ، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل بكيفية خلقهم منها . والثاني أن يعطف على خلقكم ، ويكون الخطاب في { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . والمعنى خلقكم من نفس آدم ، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حواء وبث منهما { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً } غيركم من الأمم الفائتة للحصر . فإن قلت الذي يقتضيه سداد نظم الكلام وجزالته أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعو إليها ويبحث عليها ، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجباً للتقوى وداعياً إليها ؟ قلت لأنّ ذلك مما يدل على القدرة العظيمة . ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء ، ومن المقدورات عقاب العصاة ، فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه ، ولأنَّه يدل على النعمة السابغة عليهم ، فحقهم أن يتقوه في كفرانها والتفريط فيما يلزمهم من القيام بشكرها . أو أراد بالتقوى تقوى خاصة وهي أن يتقوه فيما يتصل بحفظ الحقوق بينهم ، فلا يقطعوا ما يجب عليهم وصله ، فقيل اتقوا ربكم الذي وصل بينكم ، حيث جعلكم صنوانا مفرعة من أرومة واحدة . فيما يجب على بعضكم لبعض ، فحافظوا عليه ولا تغفلوا عنه . وهذا المعنى مطابق لمعاني السورة . وقرىء « وخالق منها زوجها . وباث منهما » ، بلفظ اسم الفاعل ، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو خالق { تَسَاءلُونَ بِهِ } تتساءلون به ، فأدغمت التاء في السين . وقرىء « تساءلون » بطرح التاء الثانية ، أي يسأل بعضكم بعضاً بالله وبالرحم . فيقول بالله وبالرحم أفعل كذا على سبيل الاستعطاف . وأناشدك الله والرحم . أو تسألون غيركم بالله والرحم ، فقيل « تفاعلون » موضع « تفعلون » للجمع ، كقولك رأيت الهلال وتراءيناه . وتنصره قراءة من قرأ « تسلون به » . مهموز أو غير مهموز . وقرىء « والأرحام » بالحركات الثلاث ، فالنصب على وجهين إما على واتقوا الله والأرحام ، أو أن يعطف على محل الجار والمجرور ، كقولك مررت بزيد وعمراً . وينصره قراءة ابن مسعود « تسألون به وبالأرحام » ، والجر على عطف الظاهر على المضمر ، وليس بسديد لأنّ الضمير المتصل متصل كاسمه ، والجار والمجرور كشيء واحد ، فكانا في قولك مررت به وزيد وهذا غلامه وزيد شديدي الاتصال ، فلما اشتد الاتصال لتكرره أشبه العطف على بعض الكلمة ، فلم يجز ووجب تكرير العامل ، كقولك مررت به وبزيد وهذا غلامه وغلام زيد ألا ترى إلى صحة قولك رأيتك وزيداً ومررت بزيد وعمرو لما لم يقو الاتصال ، لأنه لم يتكرر ، وقد تمحل لصحة هذه القراءة بأنها على تقدير تكرير الجار ونظيرها . @ فاذهب فَمَا بِكَ وَالأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ @@ والرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف ، كأنه قيل والأرحام كذلك ، على معنى والأرحام مما يتقى أو والأرحام مما يُسَاءل به . والمعنى أنهم كانوا يقرون بأن لهم خالقاً ، وكانوا يتساءلون بذكر الله والرحم ، فقيل لهم اتقوا الله الذي خلقكم ، واتقوا الذي تتناشدون به واتقوا الأرحام فلا تقطعوها . أو واتقوا الله الذي تتعاطفون باذكاره وباذكار الرحم . وقد آذن عز وجل إذ قرن الأرحام باسمه ـــ أن صلتها منه بمكان ، كما قال { أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } الإسراء 23 ، وعن الحسن إذا سألك بالله فأعطه ، وإذا سألك بالرحم فأعطه . وللرحم حجنة عند العرش ، ومعناه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه الرحم معلقة بالعرش فإذا أتاها الواصل بشت به وكلمته . وإذا أتاها القاطع احتجبت منه . وسئل ابن عيينة عن قوله عليه الصلاة والسلام 250 " تخيروا لنطفكم " فقال يقول لأولادكم وذلك أن يضع ولده في الحلال . ألم تسمع قوله تعالى { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلاْرْحَامَ } وأول صلته أن يختار له الموضع الحلال ، فلا يقطع رحمه ولا نسبه فإنما للعاهر الحجر ، ثم يختار الصحة ويجتنب الدَّعر ، ولا يضعه موضع سوء يتبع شهوته وهواه بغير هدى من الله .