Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 3-3)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولمَّا نزلت الآية في اليتامى وما في أكل أموالهم من الحوب الكبير ، خاف الأولياء أن يلحقهم الحوب بترك الإقساط في حقوق اليتامى ، وأخذوا يتحرّجون من ولايتهم ، وكان الرجل منهم ربما كان تحته العشر من الأزواج والثمان والست فلا يقوم بحقوقهنّ ولا يعدل بينهن ، فقيل لهم إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرّجتم منها ، فخافوا أيضاً ترك العدل بين النساء فقللوا عدد المنكوحات ، لأنّ من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله فهو غير متحرّج ولا تائب ، لأنه إنما وجب أن يُتحرج من الذنب ويُتاب منه لقبحه ، والقبح قائم في كل ذنب ، وقيل كانوا لا يتحرّجون من الزنا وهم يتحرّجون من ولاية اليتامى ، فقيل إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا . فانكحوا ما حلّ لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرّمات . وقيل كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال أو يكون وليها ، فيتزوجها ضناً بها عن غيره ، فربما اجتعمت عنده عشر منهن ، فيخاف - لضعفهن وفقد من يغضب لهن - أن يظلمهنّ حقوقهن ويفرط فيما يجب لهنَّ ، فقيل لهم إن خفتم أن لا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم . ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور ، وهو جمع يتيمة على القلب ، كما قيل أيامى ، والأصل أيائم ويتائم . وقرأ النخعي « تقسطوا » بفتح التاء على أن لا مزيدة مثلها في { لّئَلاَّ يَعْلَمَ } الحديد 29 يريد وإن خفتم أن تجوروا { مَا طَابَ } ما حلّ { لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاءِ } لأنّ منهن ما حرم كاللاتي في آية التحريم . وقيل ما ذهاباً إلى الصفة . ولأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } { مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ } معدولة عن أعداد مكررة ، وإنما منعت الصرف لما فيها من العدلين عدلها عن صيغها ، وعدلها عن تكررها ، وهي نكرات يعرّفن بلام التعريف . تقول فلان ينكح المثنى والثلاث والرباع ، ومحلهن النصب على الحال مما طاب ، تقديره فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ، ثنتين ثنتين ، وثلاثاً ثلاثاً ، وأربعاً أربعاً . فإن قلت الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت الخطاب للجميع ، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له ، كما تقول للجماعة اقتسموا هذا المال - وهو ألف درهم - درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة . ولو أفردت لم يكن له معنى . فإن قلت فلم جاء العطف بالواو دون أو ؟ قلت كما جاء بالواو في المثال الذي حذوته لك . ولو ذهبت تقول اقتسموا هذا المال درهمين درهمين ، أو ثلاثة ثلاثة ، أو أربعة أربعة أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسم على تثنية ، وبعضه على تثليث ، وبعضه على تربيع . وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو . وتحريره أنّ الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع ، إن شاؤوا مختلفين في تلك الأعداد ، وإن شاؤوا متفقين فيها ، محظوراً عليهم ما وراء ذلك . وقرأ إبراهيم وثلث وربع ، على القصر من ثلاث ورباع { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها { فَوٰحِدَةً } فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع رأساً . فإن الأمر كله يدور مع العدل ، فأينما وجدتم العدل فعليكم به . وقرىء « فواحدةٌ » بالرفع على فالمقنع واحدة ، أو فكفت واحدة ، أو فحسبكم واحدة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } سوّى في السُّهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء ، من غير حصر ولا توقيت عدد . ولعمري أنهنّ أقل تبعة وأقصر شغباً وأخف مؤنة من المهائر ، لا عليك أكثرت منهن أم أقللت ، عدلت بينهن في القسم أم لم تعدل ، عزلت عنهن أم لم تعزل . وقرأ ابن أبي عبلة . « من ملكت » { ذٰلِكَ } إشارة إلى اختيار الواحدة والتسري { أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } أقرب من أن لا تميلوا ، من قولهم عال الميزان عولاً ، إذا مال . وميزان فلان عائل ، وعال الحاكم في حكمه إذا جار . وروى أن أعرابياً حكم عليه حاكم فقال له أتعول عليّ . وقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم 254 " ألا تعولوا أن لا تجوروا " والذي يحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر أن لا تعولوا أن لا تكثر عيالكم . فوجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم ، كقولهم مانهم يمونهم ، إذا أنفق عليهم ، لأنّ من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الكسب وحدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب . وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين ، حقيقي بالحمل على الصحة والسداد ، وأن لا يظنّ به تحريف تعيلوا إلى تعولوا ، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من فِي أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً . وكفى بكتابنا المترجم بكتاب « شافي العيِّ ، من كلام الشافعي » شاهداً بأنه كان أعلى كعباً وأطول باعاً في علم كلام العرب ، من أن يخفى عليه مثل هذا ، ولكن للعلماء طرقاً وأساليب . فسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات . فإن قلت كيف يقل عيال من تسرى ، وفي السرائر نحو ما في المهائر ؟ قلت ليس كذلك ، لأن الغرض بالتزوّج التوالد والتناسل بخلاف التسري ، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير أذنهن ، فكان التسري مظنة لقلة الولد بالإضافة إلى التزوج ، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوج الأربع . وقرأ طاوس « أن لا تعيلوا » ، من أعال الرجل إذا كثر عياله . وهذه القراءة تعضد تفسير الشافعي رحمه الله من حيث المعنى الذي قصده .