Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-93)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله ، كقوله { وَمَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَغُلَّ } آل عمران 161 ، { وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا } الأعراف 89 ، { أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً } ابتداء غير قصاص { إِلا خَطَئاً } إلا على وجه الخطأ . فإن قلت بم انتصب خطأ ؟ قلت بأنه مفعول له ، أي ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده . ويجوز أن يكون حالاً بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ . وأن يكون صفة للمصدر إلا قتلاً خطأ . والمعنى أن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة ، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد ، بأن يرمي كافراً فيصيب مسلماً ، أو يرمي شخصاً على أنه كافر فإذا هو مسلم . وقرىء « خطاء » ـــ بالمد ـــ و « خطا » ، بوزن عمى - بتخفيف الهمزة - وروى 297 أنّ عياش بن أبي ربيعة - وكان أخا أبي جهل لأمّه - أسلم وهاجر خوفاً من قومه إلى المدينة ، وذلك قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع . فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وهو في أطم ففتل منه أبو جهل في الذروة والغارب ، وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم ، انصرف وبرَّ أمك وأنت على دينك ، حتى نزل وذهب معهما ، فلما فسحا عن المدينة كتفاه ، وجلده كل واحد مائة جلدة . فقال للحارث هذا أخي ، فمن أنت يا حارث ؟ لله عليّ إن وجدتك خالياً أن أقتلك ، وقدما به على أمه ، فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد . ففعل ثم هاجر بعد ذلك وأسلم ، وأسلم الحارث وهاجر ، فلقيه عياش بظهر قباء ـــ ولم يشعر بإسلامه ـــ فأنحى عليه فقتله ، ثم أخبر بإسلامه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتلته ولم أشعر بإسلامه ، فنزلت { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } فعليه تحرير رقبة . والتحرير الإعتاق . والحر والعتيق الكريم ، لأن الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد . ومنه عتاق الخيل ، وعتاق الطير لكرامها . وحرّ الوجه أكرم موضع منه . وقولهم للئيم عبد . وفلان عبد الفعل أي لئيم الفعل . والرقبة عبارة عن النسمة ، كما عبر عنها بالرأس في قولهم فلان يملك كذا رأساً من الرقيق . والمراد برقبة مؤمنة كل رقبة كانت على حكم الإسلام عند عامة العلماء . وعن الحسن لا تجزىء إلا رقبة قد صلت وصامت ، ولا تجزىء الصغيرة . وقاس عليها الشافعي كفارة الظهار ، فاشترط الإيمان . وقيل لما أخرج نفساً مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفساً مثلها في جملة الأحرار ، لأنّ إطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل أن الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار { مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث ، لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء ، يقضي منها الدين ، وتنفذ الوصية وإن لم يبق وارثاً فهي لبيت المال ، لأن المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 298 " أنا وارث من لا وارث له " وعن عمر رضي الله عنه 299 أنه قضى بدية المقتول ، فجاءت امرأته تطلب ميراثها من عقله فقال لا أعلم لك شيئاً ، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه . فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال كتب إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم . فورّثها عمر ، وعن ابن مسعود يرث كل وارث من الدية غير القاتل . وعن شريك لا يقضي من الدية دين ، ولا تنفذ وصية . وعن ربيعة الغرة لأم الجنين وحدها ، وذلك خلاف قول الجماعة . فإن قلت على من تجب الرقبة والدية ؟ قلت على القاتل إلا أن الرقبة في ماله ، والدية تتحملها عنه العاقلة ، فإن لم تكن له عاقلة فهي في بيت المال ، فإن لم يكن ففي ماله { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلا أن يتصدقوا عليه بالدية ومعناه العفو ، كقوله { إَّلا أَن يَعْفُونَ } البقرة 237 ونحوه { وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } البقرة 280 وعن النبي صلى الله عليه وسلم 300 " كل معروف صدقة " ، وقرأ أبيّ « إلا أن يتصدقوا » . فإن قلت بم تعلق أن يصدقوا ، وما محله ؟ قلت تعلق بعليه ، أو بمسلمة ، كأنه قيل وتجب عليه الدية أو يسلمها ، إلا حين يتصدقون عليه . ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان ، كقولهم اجلس ما دام زيد جالساً . ويجوز أن يكون حالاً من أهله بمعنى إلا متصدقين { مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ } من قوم كفار أهل الحرب وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم ، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شيء . لأنهم كفار محاربون . وقيل كان الرجل يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيغزوهم جيش المسلمين ، فيقتل فيهم خطأ لأنهم يظنونه كافراً مثلهم { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ } كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين ، فحكمه حكم مسلم من مسلمين { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } رقبة ، بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليه { فـــ } ـــعليه { فصِيَامٍ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ ٱللَّهِ } قبولاً من الله ورحمة منه ، من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعني شرع ذلك توبة منه ، أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه . هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ . ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من أن توبة قاتل المؤمن عمداً غير مقبولة . وعن سفيان كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له ، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد ، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة . وناهيك بمحو الشرك دليلاً . وفي الحديث 301 " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرىء مسلم " وفيه 302 " لو أن رجلاً قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب لأشرك في دمه " وفيه 303 " إن هذا الإنسان بنيان الله . ملعون من هدم بنيانه " وفيه 304 " من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله " والعجب من قوم يقرؤن هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة ، وقول ابن عباس بمنع التوبة . ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل إليهم مناهم ، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد 24 ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ ، لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ فيه حسم للأطماع وأي حسم ، ولكن لا حياة لمن تنادي . فإن قلت هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر ؟ قلت ما أبين الدليل وهو تناول قوله { وَمَن يَقْتُلْ } أيَّ قاتل كان ، من مسلم أو كافر ، تائب أو غير تائب ، إلا أن التائب أخرجه الدليل . فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله .