Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما « حم سق » { كَذَلِكَ يُوحِى إِلَيْكَ } أي مثل ذلك الوحي . أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك وإلى الرسل { مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ } يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله في غيرها من السور ، وأوحاه من قبلك إلى رسله ، على معنى أن الله تعالى كرر هذه المعاني في القرآن في جميع الكتب السماوية ، لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده من الأوّلين والآخرين ، ولم يقل أوحي إليك ولكن على لفظ المضارع ، ليدل على أن إيحاء مثله عادته . وقرىء « يوحى إليك » على البناء للمفعول . فإن قلت فما رافع اسم الله على هذه القراءة ؟ قلت ما دلّ عليه يوحي ، كأن قائلاً قال من الموحى ؟ فقيل الله ، كقراءة السلمى { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } الأنعام137 على البناء للمفعول ورفع شركاؤهم ، على معنى زينه لهم شركاؤهم . فإن قلت فما رافعه فيمن قرأ نوحى بالنون ؟ قلت يرتفع بالابتداء . والعزيز وما بعده أخبار ، أو العزيز الحكيم صفتان والظرف خبر . قرىء « تكاد » بالتاء والياء . وينفطرن ، ويتفطرن . وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة « تتفطرن » بتاءين مع النون ، ونظيرها حرف نادر ، روى في نوادر ابن الأعرابي الإبل تشممن . ومعناه يكدن ينفطرن من علو شأن الله وعظمته ، يدل عليه مجيئه بعد العلي العظيم . وقيل من دعائهم له ولداً ، كقوله تعالى { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } مريم 90 . فإن قلت لم قال { مِن فَوْقِهِنَّ } ؟ قلت لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السمٰوات ، وهي العرش ، والكرسي ، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى ، فلذلك قال { يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ } أي يبتدىء الانفطار من جهتهنّ الفوقانية . أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السمٰوات ، فكان القياس أن يقال ينفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة ، ولكنه بولغ في ذلك ، فجعلت مؤثرة في جهة الفوق ، كأنه قيل يكدن ينفطرن من الجهة التي فوقهن دع الجهة التي تحتهنّ ، ونظيره في المبالغة قوله عزّ وعلا { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ ٱلْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ } الحج 19 - 20 فجعل الحميم مؤثراً في أجزائهم الباطنة . وقيل من فوقهنّ من فوق الأرضين . فإن قلت كيف صح أن يستغفروا لمن في الأرض وفيهم الكفار أعداء الله ؟ وقد قال الله تعالى { أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلـئِكَةِ } البقرة 161 فكيف يكونون لاعنين مستغفرين لهم ؟ قلت قوله { لِمَن فِى ٱلاْرْضِ } يدل على جنس أهل الأرض ، وهذه الجنسية قائمة في كلهم وفي بعضهم فيجوز أن يراد به هذا وهذا . وقد دل الدليل على أن الملائكة لا يستغفرون إلا لأولياء الله وهم المؤمنون ، فما أراد الله إلا إياهم . ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة المؤمن { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } غافر 7 وحكايته عنهم { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ } غافر 7 كيف وصفوا المستغفر لهم بما يستوجب به الاستغفار فما تركوا للذين لم يتوبوا من المصدقين طمعاً في استغفارهم ، فكيف للكفرة . ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ أَن تَزُولاَ } فاطر 41 إلى أن قال { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } الإسراء 44 وقوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ لّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } الرعد 6 والمراد الحلم عنهم وأن لا يعالجهم بالانتقام فيكون عاماً . فإن قلت قد فسرت قوله تعالى { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ } بتفسيرين . فما وجه طباق ما بعده لهما ؟ قلت أما على أحدهما فكأنه قيل تكاد السمٰوات ينفطرن هيبة من جلاله واحتشاماً من كبريائه ، والملائكة الذين هم ملء السبع الطباق وحافون حول العرش صفوفاً بعد صفوف يداومون - خضوعاً لعظمته - على عبادته وتسبيحه وتحميده ، ويستغفرون لمن في الأرض خوفاً عليهم من سطواته . وأما على الثاني فكأنه قيل يكدن ينفطرن من إقدام أهل الشرك على تلك الكلمة الشنعاء ، والملائكة يوحدون الله وينزهونه عما لا يجوز عليه من الصفات التي يضيفها إليه الجاهلون به ، حامدين له على ما أولاهم من ألطافه التي علم أنهم عندها يستعصمون ، مختارين غير ملجئين ، ويستغفرون لمؤمني أهل الأرض الذين تبرؤوا من تلك الكلمة ومن أهلها . أو يطلبون إلى ربهم أن يحلم عن أهل الأرض ولا يعاجلهم بالعقاب مع وجود ذلك فيهم ، لما عرفوا في ذلك من المصالح ، وحرصاً على نجاة الخلق ، وطمعاً في توبة الكفار والفساق منهم .