Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 57-59)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
1005 لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الأنبياء 98 امتعضوا من ذلك امتعاضاً شديداً ، فقال عبد الله بن الزبعرىُ يا محمد ، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم ؟ فقال عليه السلام " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " ، فقال خصمتك ورب الكعبة ، ألست تزعم أنّ عيسى ابن مريم نبيّ وتثنى عليه خيراً وعلى أمه ، وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما . وعزير يعبد . والملائكة يعبدون ، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، ففرحوا وضحكوا ، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى إنّ الذين سبقت لهم منا الحسنى ونزلت هذه الآية . والمعنى ولما ضرب عبد الله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلاً ، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه { إِذَا قَوْمُكَ } قريش من هذا المثل { يَصِدُّونَ } ترتفع لهم جلبة وضجيج فرحاً وجزلاً وضحكاً بما سمعوا منه من إسكات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجدله ، كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعيّوا بحجة ثم فتحت عليهم . وأمّا من قرأ « يصدّون » بالضم ـــ فمن الصدود ، أي من أجل هذا المثل يصدّون عن الحق ويعرضون عنه . وقيل من الصديد وهو الجلبة ، وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف ونظائر لهما { وَقَالُواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعنون أنّ آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى ، إذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هيناً { مَا ضَرَبُوهُ } أي ما ضربوا هذا المثل { لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } إلا لأجل الجدل والغلبة في القول ، لا لطلب الميز بين الحق والباطل { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } لدّ شداد الخصومة دأبهم اللجاج ، كقوله تعالى { قَوْماً لُّدّاً } مريم 97 وذلك أنّ قوله تعالى { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الأنبياء 98 ما أريد به إلا الأصنام ، وكذلك قوله عليه السلام " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " إنما قصد به الأصنام ، ومحال أن يقصد به الأنبياء والملائكة ، إلا أن ابن الزبعري بخبه وخداعه وخُبْثِ دُخْلَتِه لما رأى كلام الله ورسوله محتملاً لفظه وجه العموم ، مع علمه بأنّ المراد به أصنامهم لا غير ، وجد للحيلة مساغاً ، فصرف معناه إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله ، على طريقة المحك والجدال وحب المغالبة والمكابرة ، وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } الأنبياء 101 فدل به على أنّ الآية خاصة في الأصنام ، على أنّ ظاهر قوله وما تعبدون لغير العقلاء . وقيل لما سمعوا قوله تعالى { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ } آل عمران 59 قالوا نحن أهدى من النصارى لأنهم عبدوا آدامياً ونحن نعبد الملائكة ، فنزلت . وقوله { ءَأَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } على هذا القول تفضيل لآلهتهم على عيسى لأنّ المراد بهم الملائكة وما ضربوه لك إلا جدلاً . معناه وما قالوا هذا القول ، يعني ءآلهتنا خير أم هو . إلا للجدال ، وقرىء « أآلهتنا خير » بإثبات همزة الاستفهام وبإسقاطها ، لدلالة أم العديلة عليها . وفي حرف ابن مسعود خير أم هذا . ويجوز أن يكون جدلاً حالاً ، أي جدلين . وقيل لما نزلت { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ } آل عمران 59 قالوا ما يريد محمد بهذا إلا أن نعبده وأنه يستأهل أن يعبد وإن كان بشراً ، كما عبدت النصارى المسيح وهو بشر . ومعنى { يَصِدُّونَ } يضجون ويضجرون . والضمير في { أَمْ هُوَ } لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وغرضهم بالموازنة بينه وبين آلهتهم السخرية به والاستهزاء . ويجوز أن يقولوا ـــ لما أنكر عليهم قولهم الملائكة بنات الله وعبدوهم ـــ ما قلنا بدعا من القول ، ولما فعلنا نكراً من الفعل فإنّ النصارى جعلوا المسيح ابن الله وعبدوه ، ونحن أشف منهم قولاً وفعلاً ، فإنا نسبنا إليه الملائكة وهم نسبوا إليه الأناسي ، فقيل لهم مذهب النصارى شرك بالله ، ومذهبكم شرك مثله ، وما تنصلكم مما أنتم عليه بما أوردتموه إلا قياس باطل بباطل ، وما عيسى { إِلاَّ عَبْدٌ } كسائر العبيد { أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } حيث جعلناه آية بأن خلقناه من غير سبب ، كما خلقنا آدم وشرفناه بالنبوّة وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبنيَ إسرائيل .