Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 29-29)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مُحَمَّدٌ } إما خبر مبتدأ ، أي هو محمد لتقدّم قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } الفتح 28 وإما مبتدأ ، ورسول الله عطف بيان . وعن ابن عامر أنه قرأ رسول الله ، بالنصب على المدح { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } أصحابه { أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } جمع شديد ورحيم . ونحوه { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } المائدة 54 ، { وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ } التوبة 73 ، { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } التوبة 128 وعن الحسن رضي الله عنه بلغ من تشدّدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صافحه وعانقه ، والمصافحة لم تختلف فيها الفقهاء . وأما المعانقة فقد كرهها أبو حنيفة رحمه الله ، وكذلك التقبيل . قال لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئاً من جسده . وقد رخص أبو يوسف في المعانقة . ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدّد وهذا التعطف فيتشدّدوا على من ليس على ملتهم ودينهم ويتحاموه ، ويعاشروا إخوتهم في الإسلام متعطفين بالبر والصلة . وكف الأذى . والمعونة ، والاحتمال ، والأخلاق السجيحة ووجه من قرأ « أشداء ، ورحماء » بالنصب - أن ينصبهما على المدح ، أو على الحال بالمقدّر في { مَعَهُ } ، ويجعل { تَرَاهُمْ } الخبر { سِيمَـٰهُمْ } علامتهم . وقرىء « سيماؤهم » وفيها ثلاث لغات هاتان . والسيمياء ، والمراد بها السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود ، وقوله تعالى { مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } يفسرها ، أي من التأثير الذي يؤثره السجود ، وكان كل من العليين عليّ بن الحسين زين العابدين ، وعليّ بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك ، يقال له ذو الثفنات لأنّ كثرة سجودهما أحدثت في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير . وقرىء « من أثر السجود » و « من آثار السجود » ، وكذا عن سعيد بن جبير هي السمة في الوجه . فإن قلت فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم 1051 " لا تعلبوا صوركم " ، وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً قد أثر في وجهه السجود فقال إن صورة وجهك أنفك ، فلا تعلب وجهك ، ولا تشن صورتك . قلت ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة . وذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه ، ونحن فيما حدث في جبهة السجاد الذي لا يسجد إلا خالصاً لوجه الله تعالى . وعن بعض المتقدّمين كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ، ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير ، فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق . وقيل هو صفرة الوجه من خشية الله . وعن الضحاك ليس بالندب في الوجوه ، ولكنه صفرة . وعن سعيد بن المسيب ندى الطهور وتراب الأرض . وعن عطاء رحمه الله استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل ، كقوله 1052 « من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار » { ذَلِكَ } الوصف { مَثَلُهُمْ } أي وصفهم العجيب الشأن في الكتابين جميعاً ، ثم ابتدأ فقال { كَزَرْعٍ } يريد هم كزرع . وقيل تم الكلام عند قوله { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } ثم ابتديء ومثلهم في الإنجيل كزرع ويجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } كقوله تعالى { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلاْمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَـؤُلآْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } الحجر 66 . وقرىء « الأنجيل » بفتح الهمزة { شَطْأَهُ } فراخه . يقال أشطا الزرع إذا فرّخ . وقرىء « شطأه » بفتح الطاء . وشطاه ، بتخفيف الهمزة وشطاءه بالمدّ . وشطه ، بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى ما قبلها . وشطوه ، بقلبها واواً { فَآزَرَهُ } من المؤازرة وهي المعاونة . وعن الأخفش أنه أفعل . وقرىء « فأزره » بالتخفيف والتشديد ، أي فشدّ أزره وقوّاه . ومن جعل { آزَرَ } أفعل ، فهو في معنى القراءتين { فَٱسْتَغْلَظَ } فصار من الدقة إلى الغلظ { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } فاستقام على قصبه جمع ساق . وقيل مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . وعن عكرمة أخرج شطأه بأبي بكر ، فآزره بعمر ، فاستغلظ بعثمان ، فاستوى على سوقه بعليّ . وهذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم ، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ، قام وحده . ثم قوّاه الله بمن آمن معه كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزرّاع . فإن قلت قوله { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } تعليل لماذا ؟ قلت لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوّة ، ويجوز أن يعلل به { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } لأنّ الكفار إذا سمعوا بما أعدّ لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك . ومعنى { مِنْهُم } البيان ، كقوله تعالى { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرّجْسَ مِنَ ٱلاْوْثَـٰنِ } الحج 30 . عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 1053 " من قرأ سورة الفتح فكأنما كان ممن شهد مع محمد فتح مكة " .