Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 14-14)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإيمان هو التصديق مع الثقة وطمأنينة النفس . والإسلام الدخول في السلم . والخروج من أن يكون حرباً للمؤمنين بإظهار الشهادتين . ألا ترى إلى قوله تعالى { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاْيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } فاعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان . فإن قلت ما وجه قوله تعالى { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } والذي يقتضه نظم الكلام أن يقال قل لا تقولوا آمنا ، ولكن قولوا أسلمنا . أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم ؟ قلت أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلاً ، ودفع ما انتحلوه ، فقيل قل لم تؤمنوا . وروعى في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرّح بلفظه ، فل يقل كذبتم ، ووضع { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } الذي هو نفي ما ادعوا إثباته موضعه ، ثم نبه على ما فعل من وضعه موضع كذبتم في قوله في صفة المخلصين { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ } الحجرات 15 تعريضاً بأن هؤلاء هم الكاذبون ، ورب تعريض لا يقاومه التصريح ، واستغنى بالجملة التي هي لم { تُؤْمِنُواْ } عن أن يقال لا تقولوا آمنا ، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان ، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى ، ولم يقل ولكن أسلمتم ، ليكون خارجاً مخرج الزعم والدعوى ، كما كان قولهم { ءَامَنَّا } كذلك ، ولو قيل ولكن أسلمتم ، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم وهو غير معتدّ به . فإن قلت قوله { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاْيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } بعد قوله تعالى { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة . قلت ليس كذلك ، فإن فائدة قوله { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } هو تكذيب دعواهم ، وقوله { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاْيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في { قُولُواْ } وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد { لاَ يَلِتْكُمْ } لا ينقصكم ولا يظلمكم . يقال ألته السلطان حقه أشدّ الألت ، وهي لغة غطفان . ولغة أسد وأهل الحجاز لاته ليتا . وحكى الأصمعي عن أمّ هشام السلولية أنها قالت الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات ، ولا تصمه الأصوات . وقرىء باللغتين « لا يلتكم » ولا يألتكم . ونحوه في المعنى { فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } الأنبياء 47 . ومعنى طاعة الله ورسوله أن يتوبوا عما كانوا عليه من النفاق ويعقدوا قلوبهم على الإيمان ويعملوا بمقتضياته ، فإن فعلوا ذلك تقبل الله توبتهم ، ووهب لهم مغفرته . وأنعم عليهم بجزيل ثوابه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ نفراً من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة ، فأظهروا الشهادة ، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات ، وأغلوا أسعارها ، وهم يغدون ويروحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والذراري ، يريد الصدقة ويمنون عليه ، فنزلت .