Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 14-19)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله تعالى { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ } المائدة60 ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين { مَّا هُم مِّنكُمْ } يا مسلمون { وَلاَ مِنْهُمْ } ولا من اليهود ، كقوله تعالى { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء } النساء 143 ، { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ } أي يقولون والله إنا لمسلمون ، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أن المحلوف عليه كذب بحت . فإن قلت فما فائدة قوله { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ؟ قلت الكذب أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه ، سواء علم المخبر أو لم يعلم ، فالمعنى أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه ، وهم عالمون بذلك متعمدون له ، كمن يحلف بالغموس وقيل 1147 كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان ، فدخل ابن نبتل وكان أزرق ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « علام تشتمني أنت وأصحابك » ؟ فحلف بالله ما فعل ، فقال عليه السلام « فعلت » فانطلق فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت { عَذَاباً شَدِيداً } نوعاً من العذاب متفاقماً { إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يعني أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه . أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة . وقرىء « إيمانهم » بالكسر ، أي اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها . أو إيمانهم الذي أظهروه { جُنَّةً } أي سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم { فَصَدُّواْ } الناس في خلال أمنهم وسلامتهم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم . وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزي لكفرهم وصدهم ، كقوله تعالى { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } النحل 88 . { مِنَ ٱللَّهِ } من عذاب الله { شَيْئاً } قليلاً من الإغناء . وروي أنّ رجلاً منهم قال لنننصرنّ يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا { فَيَحْلِفُونَ } لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } في الدنيا على ذلك { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ } من النفع ، يعني ليس العجب من حلفهم لكم ، فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر ، وأن لهم نفعاً في ذلك دفعاً عن أرواحهم واستجرار فوائد دنيوية ، وأنهم يفعلونه في دار لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون ، ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة مع عدم النفع والإضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل ، والمراد وصفهم بالتوغل في نفاقهم ومرونهم عليه ، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل ، كما قال { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَـٰدُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } الأنعام 28 وقد اختلف العلماء في كذبهم في الآخرة ، والقرآن ناطق بثباته نطقاً مكشوفاً . كما ترى في هذه الآية وفي قوله تعالى { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } الأنعام 23 - 24 ونحو حسبانهم أنهم على شيء من النفع إذا حلفوا استنظارهم المؤمنين ليقتبسوا من نورهم ، لحسبان أن الإيمان الظاهر مما ينفعهم . وقيل عند ذلك يختم على أفواههم { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَـٰذِبُونَ } يعني أنهم الغاية التي لا مطمح وراءها في قول الكذب ، حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ } استولى عليهم ، من حاذ الحمار العانة إذا جمعها وساقها غالباً لها . ومنه كان أحوذياً نسيج وحده ، وهو أحد ما جاء على الأصل ، نحو استصوب واستنوق ، أي ملكهم { ٱلشَّيْطَـٰنِ } لطاعتهم له في كل ما يريده منهم ، حتى جعلهم رعيته وحزبه { فَأَنسَـٰهُمْ } أن يذكروا الله أصلاً لا بقلوبهم ولا بألسنتهم . قال أبو عبيدة حزب الشيطان جنده .