Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل ، وذلك لأنّ الملك على الحقيقة له ، لأنه مبديء كل شيء ومبدعه ، والقائم به ، والمهيمن عليه وكذلك الحمد ، لأنّ أصول النعم وفروعها منه . وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } يعني فمنكم آت بالكفر وفاعل له ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ، كقوله تعالى { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } الحديد26 والدليل عليه قوله تعالى { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم . والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح ، وتكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين ، فما فعلتم مع تمكنكم ، بل تشعبتم شعباً ، وتفرقتم أمماً فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم . وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية ، ومنكم مؤمن به . فإن قلت نعم ، إن العباد هم الفاعلون للكفر ، ولكن قد سبق في علم الحكيم أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ولم يختاروا غيره ، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم ؟ وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلا واحد ؟ وهل مثله إلا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا ؟ أما يطبق العقلاء على ذم الواهب وتعنيفه والدق في فروته كما يذمون القاتل ؟ بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشد ؟ قلت قد علمنا أنّ الله حكيم عالم بقبح القبيح عالم بغناه عنه ، فقد علمنا أن أفعاله كلها حسنة ، وخلق فاعل القبيح فعله ، فوجب أن يكون حسناً ، وأن يكون له وجه حسن وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه ، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها { بِٱلْحَقِّ } بالغرض الصحيح والحكمة البالغة ، وهو أن جعلها مقارّ المكلفين ليعملوا فيجازيهم { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وقرىء « صوركم » بالكسر ، لتشكروا . وإليه مصيركم فجزاؤكم على الشكر والتفريط فيه . فإن قلت كيف أحسن صوركم ؟ قلت جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه ، بدليل أن الإنسان لا يتمنىٰ أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور . ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، كما قال عز وجل { فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } التين 4 . فإن قلت فكم من دميم مشوّه الصورة سمج الخلقة تقتحمه العيون ؟ قلت لا سماجة ثم ولكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب ، فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطاً بيناً وإضافتها إلى الموفى عليها لا تستملح ، وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة عن حدّه . ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها ، ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك ، وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها . وقالت الحكماء شيئان لا غاية لهما الجمال ، والبيان . نبه بعلمه ما في السموات والأرض ، ثم بعلمه ما يسره العباد ويعلنونه ، ثم بعلمه ذوات الصدور أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خاف عليه ولا عازب عنه ، فحقه أن يتقي ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه . وتكوير العلم في معنى تكرير الوعيد ، وكل ما ذكره بعد قوله تعالى { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } التغابن 2 كما ترى في معنى الوعيد على الكفر ، وإنكار أن يعصىٰ الخالق ولا تشكر نعمته فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته ، والخلق أعظم نعمة من الله على عباده ، والكفر أعظم كفران من العباد لربهم .