Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

خص النبي صلى الله عليه وسلم بالنداء وعم بالخطاب لأنّ النبي إمام أمّته وقدوتهم ، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم يا فلان افعلوا كيت وكيت ، إظهاراً لتقدّمه واعتباراً لترؤسه ، وأنه مدرهُ قومه ولسانهم ، والذي يصدرون عن رأيه ولا يستبدون بأمر دونه ، فكان هو وحده في حكم كلهم ، وسادّاً مسدّ جميعهم . ومعنى { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنّسآءَ } إذا أردتم تطليقهنّ وهممتم به على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه كقوله عليه السلام 1193 " من قتل قتيلاً فله سلبه " ومنه كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلي { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فطلقوهن مستقبلات لعدتهن ، كقولك أتيته لليلة بقيت من المحرم ، أي مستقبلاً لها . وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قُبلِ عدتهنّ ، وإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم للقرء الأوّل من أقرائها ، فقد طلقت مستقبلة لعدتها . والمراد أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه ، ثم يخلين حتى تنقضى عدّتهن . وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم ، ويدل عليه ما روي عن إبراهيم النخعي أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يستحبون أن لا يطلقوا أزواجهم للسنة إلا واحدة ، ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدّة ، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثاً في ثلاثة أطهار . وقال مالك بن أنس رضي الله عنه لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة ، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو متفرقة . وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحد في طهر واحد ، فأما مفرقاً في الأطهار فلا لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض 1194 " ما هكذا أمرك الله ، إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً ، وتطلقها لكل قرء تطليقة " وروى أنه قال لعمر 1195 " مر ابنك فليراجعها ، ثم ليدعها حتى تحيض ثم تطهر ، ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدّة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " . وعند الشافعي رضي الله عنه لا بأس بإرسال الثلاث ، وقال لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح . فما لك تراعي في طلاق السنة الواحدة والوقت وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت والشافعي يراعي الوقت وحده . فإن قلت هل يقع الطلاق المخالف للسنة ؟ قلت نعم ، وهو آثم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم 1196 أنّ رجلاً طلق امرأته ثلاثاً بين يديه ، فقال لا " أتلعبون بكتاب الله وأنا بين أظهركم " وفي حديث ابن عمر أنه قال 1197 يا رسول الله ، أرأيت لو طلقتها ثلاثاً ، فقال له " إذن عصيت وبانت منك امرأتك " وعن عمر رضي الله عنه 1198 أنه كان لا يؤتى برجل طلق امرأته ثلاثاً إلا أوجعه ضرباً . وأجاز ذلك عليه . وعن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين أنّ من خالف السنة في الطلاق فأوقعه في حيض أو ثلث لم يقع ، وشبهوه بمن وكل غيره بطلاق السنة فخالف . فإن قلت كيف تطلق للسنة التي لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل وغير المدخول بها ؟ قلت الصغيرة والآيسة والحامل كلهن عند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرق عليهن الثلاث في الأشهر ، وخالفما محمد وزفر في الحامل فقالا لا تطلق للسنة إلا واحدة . وأما غير المدخول بها فلا تطلق للسنة إلا واحدة ، ولا يراعي الوقت . فإن قلت هل يكره أن تطلق المدخول بها واحدة بائنة ؟ قلت اختلفت الرواية فيه عن أصحابنا . والظاهر الكراهة . فإن قلت قوله إذا طلقتم النساء عام يتناول المدخول بهن وغير المدخول بهن من ذوات الأقراء والآيسات والصغائر والحوامل ، فكيف صحّ تخصيصه بذوات الأقراء المدخول بهن ؟ قلت لا عموم ثم ولا خصوص ، ولكن النساء اسم جنس للإناث من الإنس ، وهذه الجنسية معنى قائم في كلهن وفي بعضهن ، فجاز أن يراد بالنساء هذاوذاك ، فلما قيل { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } علم أنه أطلق على بعضهنّ وهنّ المدخول بهن من المعتدات بالحيض { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن ، { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ } حتى تنقضي عدتهنّ { مِن بُيُوتِهِنَّ } من مساكنهنّ التي يسكنها قبل العدة ، وهي بيوت الأزواج وأضيفت إليهنّ لاختصاصها بهنّ من حيث السكنى . فإن قلت ما معنى الجمع بين إخراجهم أو خروجهن ؟ قلت معنى الإخراج أن لا يخرجهن البعولة غضباً عليهن وكراهة لمساكنتهن ، أو لحاجة لهم إلى المساكن ، وأن لا يأذنوا لهنّ في الخروج إذا طلبن ذلك ، إيذاناً بأنّ إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ، ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن ذلك { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } قرىء بفتح للياء وكسرها . قيل هي الزنا ، يعني إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن وقيل إلا أن يطلقن على النشوز ، والنشوز يسقط حقهن في السكنى . وقيل إلا أن يبذون فيحل إخراجهنّ لبذائهنّ وتؤكده قراءة أبي « إلا أن يفحش عليكم » وقيل خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه . الأمر الذي يحدثه الله أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها ، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها . ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها . والمعنى فطلقوهنّ لعدتهن وأحصوا العدة ، لعلكم ترغبون وتندمون فتراجعون { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } وهو آخر العدة وشارفته ، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف والإحسان ، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلاً للعدة عليها وتعذيباً لها { وَأَشْهِدُواْ } يعني عند الرجعة والفرقة جميعاً . وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } البقرة 282 وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة . وقيل فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد ، وأن لا يتهم في إمساكها ، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث { مِّنكُمْ } قال الحسن من المسلمين . وعن قتادة من أحراركم { لِلَّهِ } لوجهه خالصاً ، وذلك أن تقيموها لا للشهود له ولا للمشهود عليه ، ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم ، كقوله تعالى { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } النساء 135 أي { ذَلِكُمْ } الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط ، { يُوعَظُ بِهِ … وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } يجوز أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة ، وطريقه الأحسن والأبعد من الندم ، ويكون المعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد { يَجْعَلْ } الله { لَّهُ مَخْرَجاً } مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ، ويفرج عنه وينفس ويعطه الخلاص { وَيَرْزُقْهُ } من وجه لا يخطره بباله ولا يحتسبه إن أوفى المهر وأدى الحقوق والنفقات وقل ماله . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1199 " أنه سئل عمن طلق ثلاثاً أو ألفاً ، هل له من مخرج ؟ فتلاها " وعن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجا ، بانت منك بثلاث والزيادة إثم في عنقك . ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ } يعني ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 1200 أنه قرأها فقال " مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة " وقال عليه السلام 1201 " إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } فما زال يقرؤها ويعيدها " وروى 1202 أنّ عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابناً له يسمى سالماً . فأتى رسول الله فقال أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، ففعل فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها ، فنزلت هذه الآية { بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب . وقرىء « بالغ أمره » بالإضافة « وبالغ أمره » بالرفع ، أيّ نافذ أمره وقرأ المفضل « بالغاً أمره » ، على أنّ قوله { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ } خبر إن ، وبالغاً حال { قَدْراً } تقديراً وتوقيتاً . وهذا بيان لوجوب التوكل على الله ، وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أنّ كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل .