Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 67, Ayat: 1-4)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تَبَـٰرَكَ } تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين { ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } على كل موجود { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ } ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة { قَدِيرٌ } وذكر اليد مجاز عن الإحاطة بالملك والاستيلاء عليه . والحياة ما يصح بوجوده الإحساس . وقيل ما يوجب كون الشيء حياً ، وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر . والموت عدم ذلك فيه ، ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه . والمعنى خلق موتكم وحياتكم أيها المكلفون { لِيَبْلُوَكُمْ } وسمى علم الواقع منهم باختيارهم « بلوى » وهي الخبرة استعارة من فعل المختبر . ونحوه قوله تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ } محمد 31 . فإن قلت من أين تعلق قوله { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } بفعل البلوى ؟ قلت من حيث أنه تضمن معنى العلم ، فكأنه قيل ليعلمكم أيكم أحسن عملا وإذا قلت علمته أزيد أحسن عملا أم هو ؟ كانت هذه الجملة واقعة موقع الثاني من مفعوليه ، كما تقول علمته هو أحسن عملا . فإن قلت أتسمي هذا تعليقاً ؟ قلت لا ، إنما التعليق أن توقع بعده ما يسدّ مسدّ المفعولين جميعاً ، كقولك علمت أيهما عمرو ، وعلمت أزيد منطلق . ألا ترى أنه لا فصل بعد سبق أحد المفعولين بين أن يقع ما بعده مصدراً بحرف الإستفهام وغير مصدر به ، ولو كان تعليقاً لافترقت الحالتان كما افترقتا في قولك علمت أزيد منطلق . وعلمت زيداً منطلقاً { أَحْسَنُ عَمَلاً } . قيل أخلصه وأصوبه لأنه إذا كان خالصاً غير صواب لم يقبل ، وكذلك إذا كان صواباً غير خالص فالخالص أن يكون لوجه الله تعالى والصواب أن يكون على السنة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلاها ، فلما بلغ قوله { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } قال 1215 " أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " يعني أيكم أتم عقلا عن الله وفهما لأغراضه والمراد أنه أعطاكم الحياة التي تقدرون بها على العمل وتستمكنون منه ، وسلط علكم الموت الذي هو داعيكم إلى اختيار العمل الحسن على القبيح ، لأن وراءه البعث والجزاء الذي لا بد منه . وقدم الموت على الحياة ، لأنّ أقوى الناس داعياً إلى العمل من نصب موته بين عينيه فقدم لأنه فيما يرجع إلى الغرض المسوق له الآية أهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل { ٱلْغَفُورُ } لمن تاب من أهل الإساءة { طِبَاقاً } مطابقة بعضها فوق بعض ، من طابق النعل إذا خصفها طبقاً على طبق ، وهذا وصف بالمصدر . أو على ذات طباق ، أو على طوبقت طباقاً { مِن تَفَـٰوُتٍ } وقرىء « من تفوت » ، ومعنى البناءين واحد ، كقولهم تظاهروا من نسائهم . وتظهروا . وتعاهدته وتعهدته ، أي من اختلاف واضطراب في الخلقة ولا تناقض إنما هي مستوية مستقيمة . وحقيقة التفاوت عدم التناسب ، كأن بعض الشيء يفوت بعضاً ولا يلائمه . ومنه قولهم خلق متفاوت . وفي نقيضه متناصف . فإن قلت كيف موقع هذه الجملة مما قبلها ؟ قلت هي صفة مشايعة لقوله { طِبَاقاً } وأصلها ما ترى فيهنّ من تفاوت ، فوضع مكان الضمير قوله { خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } تعظيماً لخلقهنّ ، وتنبيهاً على سبب سلامتهنّ من التفاوت وهو أنه خلق الرحمٰن ، وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب ، والخطاب في ما ترى للرسول أو لكل مخاطب . وقوله تعالى { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ } متعلق به على معنى التسبيب أخبره بأنه لا تفاوت في خلقهنّ ، ثم قال { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ } حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ، ولا تبقى معك شبهة فيه { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } من صدوع وشقوق جمع فطر وهو الشق . يقال فطره فانفطر . ومنه فطر ناب البعير ، كما يقال شق وبزل . ومعناه شق اللحم فطلع . وأمره بتكرير البصر فيهنّ متصفحاً ومتتبعاً يلتمسُ عيباً وخللاً { يَنقَلِبْ إِلَيْكَ } أي إن رجعت البصر وكررت النظر لم يرجع إليك بصرك بما التمسته من رؤية الخلل وإدراك العيب ، بل يرجع إليك بالخسوء والحسور ، أي بالبعد عن إصابة الملتمس ، كأنه يطرد عن ذلك طرداً بالصغار والقماءة ، وبالإعياء والكلال لطول الإجالة والترديد . فإن قلت كيف ينقلب البصر خاسئاً حسيراً برجعه كرّتين اثنتين ؟ قلت معنى التثنية التكرير بكثرة ، كقولك لبيك وسعديك ، تريد إجابات كثيرة بعضها في أثر بعض ، وقولهم في المثل دهدرّين سعد القين من ذلك ، أي باطلاً بعد باطل . فإن قلت فما معنى ثم ارجع ؟ قلت أمره برجع البصر ، ثم أمره بأن لا يقتنع بالرجعة الأولى وبالنظرة الحمقاء ، وأن يتوقف بعدها ويجم بصره ، ثم يعاود ويعاود ، إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة ، فإنه لا يعثر على شيء من فطور .