Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-143)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لّمِيقَـٰتِنَا } لوقتنا الذي وقتنا له وحدّدناه . ومعنى اللام الاختصاص فكأنه قيل واختصّ مجيئه بميقاتنا ، كما تقول أتيته لعشر خلون من الشهر { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } من غير واسطة كما يكلم الملك ، وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقاً به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطاً في اللوح وروي أن موسى عليه السلام كان يسمع ذلك الكلام من كل جهة . وعن ابن عباس رضي الله عنه كلمه أربعين يوماً وأربعين ليلة ، وكتب له الألواح . وقيل إنما كلمه في أوّل الأربعين { أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } ثاني مفعولي أرني محذوف أي أرني نفسك أنظر إليك ، فإن قلت الرؤية عين النظر ، فكيف قيل أرني أنظر إليك ؟ قلت معنى أرني نفسك ، اجعلني متمكناً من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك ، فإن قلت فكيف قال { لَن تَرَانِى } ولم يقل لن تنظر إليّ لقوله { أَنظُرْ إِلَيْكَ } ؟ قلت لما قال { أَرِنِى } بمعنى اجعلني متمكناً من الرؤية التي هي الإدراك ، علم أن الطِّلْبَة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه ، فقيل لن تراني ، ولم يقل لن تنظر إليّ . فإن قلت كيف طلب موسى عليه السلام ذلك - وهو من أعلم الناس بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز ، وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس ، وذلك إنما يصحّ فيما كان في جهة . وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة . ومنعُ المجبرة إحالته في العقول غير لازم ، لأنه ليس بأوّل مكابرتهم وارتكابهم ، وكيف يكون طالبه وقد قال - حين أخذت الرجفة الذين قالوا أرنا الله جهرة - { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاء مِنَّا } الأعراف 155 إلى قوله { تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء } الأعراف 155 فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالاً ـــ ؟ قلت ما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالاً ، وتبرأ من فعلهم ، وليلقمهم الحجر ، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق ، فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا لا بدَّ ، ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك ، وهو قوله { لَن تَرَانِى } ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال { رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } . فإن قلت فهلا قال أرهم ينظروا إليك ؟ قلت لأنّ الله سبحانه إنما كلم موسى عليه السلام وهم يسمعون ، فلما سمعوا كلام رب العزّة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه ، كما أسمعه كلامه فسمعوه معه ، إرادة مبنية على قياس فاسد ، فلذلك قال موسى أرني أنظر إليك ، ولأنه إذا زجر عما طلب ، وأنكر عليه في نبوّته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى ، وقيل له لن يكون ذلك كان غيره أولى بالإنكار ، لأنّ الرسول إمام أمته ، فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعاً إليهم . وقوله { أَنظُرْ إِلَيْكَ } وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم ، دليل على أنه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم ، وجلّ صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه ، مقابلاً بحاسة النظر ، فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ، والنظام ، وأبي الهذيل والشيخين ، وجميع المتكلمين ؟ فإن قلت ما معنى { لَن } ؟ قلت تأكيداً النفي الذي تعطيه « لا » وذلك أن « لا » تنفي المستقبل . تقول لا أفعل غداً ، فإذا أكدت نفيها قلت لن أفعل غداً . والمعنى أنّ فعله ينافي حالي ، كقوله { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } الحج 73 فقوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } الأنعام 103 نفي للرؤية فيما يستقبل . و { لَن تَرَانِى } تأكيد وبيان ، لأنّ المنفي مناف لصفاته . فإن قلت كيف اتصل الاستدراك في قوله { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } بما قبله ؟ قلت اتصل به على معنى أنّ النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك بنظر آخر وهو أن تنظر إلى الجبل الذي يرجف بك وبمن طلبت الرؤية لأجلهم ، كيف أفعل به وكيف أجعله دكاً بسبب طلبك الرؤية ؟ لتستعظم ما أقدمت عليه بما أريك من عظم أثره ، كأنه عزّ وعلا حقق عند طلب الرؤية ما مثله عند نسبة الولد إليه في قوله { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } مريم 91 . { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } كما كان مستقراً ثابتاً ذاهباً في جهاته { فَسَوْفَ تَرَانِى } تعليق لوجود الرؤية موجود ما لا يكون من استقرار الجبل مكانه حين يدكه دكاً ويسويه بالأرض ، وهذا كلام مدبج بعضه في بعض ، وارد على أسلوب عجيب ونمط بديع . ألا ترى كيف تخلص من النظر إلى النظر بكلمة الاستدراك ؟ ثم كيف بنى الوعيد بالرجفة الكائنة بسبب طلب النظر على الشريطة في وجود الرؤية ؟ أعني قوله { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى } . { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } فلما ظهر له اقتداره وتصدى له أمره وإرادته { جَعَلَهُ دَكّا } أي مدكوكاً مصدر بمعنى مفعول كضرب الأمير . والدكّ والدقُّ أخوان كالشك والشقِّ وقُرىء « دكاء » والدكاء اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكّة أو أرضاً دكاء مستوية . ومنه قولهم ناقة دكاء متواضعة السنام ، وعن الشعبي قال لي الربيع بن خثيم ابسط يدك دكاء ، أي مدّها مستوية . وقرأ يحيى بن وثاب « دكاً » أي قطعاً دكا جمع دكاء { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } من هول ما رأى . وصعق من باب فعلته ففعل . يقال صعقته فصعقت . وأصله من الصاعقة . ويقال لها الصاقعة . من صقعه إذا ضربه على رأسه ومعناه خرّ مغشياً عليه غشية كالموت . وروي أنّ الملائكة مرّت عليه وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزّة ؟ { فَلَمَّا أَفَاقَ } من صعقته { قَالَ سُبْحَـٰنَكَ } أنزهك مما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها { تُبْتُ إِلَيْكَ } من طلب الرؤية { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بأنك لست بمرئيّ ولا مدرك بشيء من الحواس . فإن قلت فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته ، فممّ تاب ؟ قلت من إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه ، من غير إذن فيه من الله تعالى ، فانظر إلى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية ، وكيف أرجف الجبل بطالبها وجعله دكاً ، وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر ، وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه ، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال أنا أول المؤمنين ، ثم تعجب من المتسمين بالإسلام المتسمين بأهل السنّة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهباً . ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة ، فإنه من منصوبات أشياخهمٰ والقول ما قال بعض العدلية فيهم @ لَجَمَاعَةٌ سَموْا هَواهُمْ سُنَّة وَجَمَاعَةٌ حُمْرٌ لَعَمْرِي مُوكَفَه قَدْ شَبَّهُوهُ بِخَلْقِهِ وَتَخَوَّفُوا شَنْعَ الْوَرَى فَتَسَتَّرُوا بِالبَلْكَفَهْ . @@ وتفسير آخر وهو أن يريد بقوله { أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } عرّفني نفسك تعريفاً واضحاً جلياً ، كأنها إراءة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك { أَنظُرْ إِلَيْكَ } أعرفك معرفة اضطرار ، كأني أنظر إليك ، كما جاء في الحديث 398 " سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " بمعنى ستعرفونه معرفة جلية هي في الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى { قَالَ لَن تَرَانِى } أي لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية المضطرة ولكن انظر إلى الجبل . فإني أورد عليه وأظهر له آية من تلك الآيات ، فإن ثبت لتجليها واستقرّ مكانه ولم يتضعضع فسوف تثبت لها وتطيقها ، { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } فلما ظهرت له آية من آيات قدرته وعظمته { جَعَلَهُ دَكّا وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } لعظم ما رأى { فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ } مما اقترحت وتجاسرت { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } بعظمتك وجلالك ، وأن شيئاً لا يقوم لبطشك وبأسك .