Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 16-17)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } فبسبب إغوائك إياي لأقعدنّ لهم . وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي ولم يثبت كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن آدم أنفساً ومناصب ، وعن الأصم أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك . والمعنى فبسبب وقوعي في الغيّ لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي ، كما فسدت بسببهم . فإن قلت بم تعلقت الباء ، فإن تعلقها بلأقعدنّ يصدّ عنه لام القسم ، لا تقول والله بزيد لأمرّنّ ؟ قلت تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره فبما أغويتني أقسم بالله لأقعدنّ ، أي فبسبب إغوائك أقسم . ويجوز أن تكون الباء للقسم ، أي فأقسم بإغوائك لأقعدن ، وإنما أقسم بالإغواء لأنه كان تكليفاً ، والتكليف من أحسن أفعال الله ، لكونه تعريضاً لسعادة الأبد ، فكان جديراً بأن يقسم به . ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه عن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمي بالقدر ، فجلس إليه فقال له طاوس تقوم أو تقام ، فقام الرجل ، فقيل له أتقول هذا لرجل فقيه ؟ فقال إبليس أفقه منه ، قال رب بما أغويتني ، وهذا يقول أنا أغوي نفسي ، وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى الله سبحانه ، أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين . وقيل { مَا } للاستفهام ، كأنه قيل بأي شيء أغويتني ، ثم ابتدىء لأقعدنّ . وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على « ما » الاستفهامية ، قليل شاذ . وأصل الغيّ الفساد . ومنه غوى الفصيل ، إذا بشم . والبشم فساد في المعدة { لاقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدوّ على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف ، كقوله @ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ @@ وشبهه الزجاج بقولهم ضرب زيد الظهر والبطن ، أي على الظهر والبطن . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم 387 " إن الشيطان قعد لابن آدم بأَطرُقِهِ قعد له بطريق الإسلام فقال له تدع دين آبائك ، فعصاه فأسلم . ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له تدع ديارك وتتغرب ، فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح امرأتك ، فعصاه فقاتل " { ثُمَّ لآتِيَنَّهُم } من الجهات الأربع التي يأتي منها العدوّ في الغالب . وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه ، كقوله { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } الإسراء 64 . فإن قلت كيف قيل { مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } بحرف الابتداء { وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ } بحرف المجاوزة ؟ قلت المفعول فيه عدي إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به . فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا ، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس . وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط ، فلما سمعناهم يقولون جلس عن يمينه وعلى يمينه ، وعن شماله وعلى شماله ، قلنا معنى « على يمينه » أنه تمكن من جهة اليمين تمكُّن المستعلي من المستعلى عليه . ومعنى « عن يمينه » أنه جلس متجافياً عن صاحب اليمين منحرفاً عنه غير ملاصق له . ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره ، كما ذكرنا في « تعال » . ونحوه من المفعول به قولهم رميت عن القوس ، وعلى القوس ، ومن القوس لأن السهم يبعد عنها ، ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي ، ويبتدىء الرمي منها . كذلك قالوا جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه لأنهما ظرفان للفعل . ومن بين يديه ومن خلفه لأن الفعل يقع في بعض الجهتين ، كما تقول جئته من الليل ، تريد بعض الليل ، وعن شقيق ما من صباح إلاّ قعد لي الشيطان على أربع مراصد من بين يديّ ، ومن خلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي أمّا من بين يدي فيقول لا تخف ، فإن الله غفور رحيم ، فأقرأ { وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وآمَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } طه 82 وأمّا من خلفي ، فيخوّفني الضيعة على مخلفي فأقرأ { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلاْرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } هود 6 وأمّا من قبل يميني ، فيأتيني من قبل الثناء فأقرأ { وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف 128 وأمّا من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات فأقرأ { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } سبأ 54 . { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ } قاله تظنيناً ، بدليل قوله { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ } سبأ 20 وقيل سمعه من الملائكة بإخبار الله تعالى لهم .