Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 55-58)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } نصب على الحال ، أي ذوي تضرع وخفية . وكذلك خوفاً وطمعاً . والتضرع تفعُّل من الضراعة وهو الذل ، أي تذللاً وتملقاً . وقرىء « وخِفْيَة » وعن الحسن رضي الله عنه إنّ الله يعلم القلب التقي والدعاء الخفي ، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره ، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به ، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة وعنده الزوار وما يشعرون به ، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبداً . ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلاّ همساً بينهم وبين ربهم . وذلك أنّ الله تعالى يقول { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } وقد أثنى على زكريا فقال { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } مريم 3 وبين دعوة السرّ ودعوة العلانية سبعون ضعفاً . { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره . وعن ابن جريج هو رفع الصوت بالدعاء . وعنه الصياح في الدعاء مكروه وبدعة . وقيل هو الإسهاب في الدعاء . وعن النبي صلى الله عليه وسلم 391 " سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وحسب المرء أن يقول اللَّهمّ إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل " ثم قرأ قوله تعالى { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } . { إِنَّ رَحْمَتَٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } كقوله { وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً } طه 82 . وإنما ذكر { قَرِيبٌ } على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم ، أو لأنه صفة موصوف محذوف ، أي شيء قريب . أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به ، فقيل قتلاء وأسراء ، أو على أنه بزنة المصدر ، الذي هو النقيض والضغيب . أو لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقي ، قرىء « نشراً وهو مصدر نشر . وانتصابه إمّا لأن أرسل ونشر متقاربان ، فكأنه قيل نشرها نشراً وإمّا على الحال بمعنى منتشرات . ونشراً جمع نشور . ونشراً تخفيف نشر ، كرسل ورسل . وقرأ مسروق « نشراً » ، بمعنى منشورات ، فعل بمعنى مفعول ، كنقض وحسب . ومنه قولهم « ضم نشره » وبشراً جمع بشير . وبشراً بتخفيفه . وبشراً - بفتح الباء - مصدر من بشره بمعنى بشره ، أي باشرات ، وبشرى { بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } أمام رحمته ، وهي الغيث الذي هو من أتمّ النعم وأجلّها وأحسنها أثراً { أَقَلَّتْ } حملت ورفعت ، واشتقاق الإقلال من القلة ، لأن الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلاً { سَحَابًا ثِقَالاً } سحائب ثقالاً بالماء جمع سحابة { سُقْنَـٰهُ } الضمير للسحاب على اللفظ ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث ، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلاً { لِبَلَدٍ مَّيّتٍ } لأجل بلد ليس فيه حياً ولسقيه . وقرىء « مَيْتٍ » { فَأَنزَلْنَا بِهِ } بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق . وكذلك { فأخرجنا به … كَذَٰلِكَ } مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات { نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فيؤدّيكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين . إذ كل واحد منهما إعادة للشيء بعد إنشائه { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيّبُ } الأرض العذاة الكريمة التربة { وَٱلَّذِى خَبُثَ } الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به { بِإِذْنِ رَبّهِ } بتيسيره وهو في موضع الحال ، كأنه قيل يخرج نباته حسناً وافياً لأنه واقع في مقابلة { نَكِدًا } والنكد الذي لا خير فيه . وقرىء « يخرج نباته » أن يخرجه البلد وينبته وقوله { وَٱلَّذِى خَبُثَ } صفة للبلد ومعناه والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكداً ، فحذف المضاف الذي هو النبات ، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه إلاّ أنه كان مجروراً بارزاً ، فانقلب مرفوعاً مستكناً لوقوعه موقع الفاعل ، أو يقدّر ونبات الذي خبث . وقرىء « نكداً » بفتح الكاف على المصدر . أي ذا نكد . ونكداً ، بإسكانها للتخفيف ، كقوله نزه عن الريب ، بمعنى نزه . وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ، ولمن لا يؤثر شيء من ذلك . وعن مجاهد آدم وذرّيته منهم خبيث وطيب . وعن قتادة المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به ، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت . والكافر بخلاف ذلك . وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر ، وإنزاله بالبلد الميت ، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد { كَذٰلِكَ } مثل ذلك التصريف { نُصَرّفُ ٱلأَيَـٰتِ } نردِّدها ونكرّرها { لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } نعمة الله وهم المؤمنون ، ليفكروا فيها ويعتبروا بها . وقرىء « يصرف » بالياء أي يصرفها الله .