Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 20-28)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال للمتظاهرين عليه { إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّى } يريد ما أتيتكم بأمر منكر ، إنما أعبد ربي وحده { وَلآ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } وليس ذاك مما يوجب إطباقكم على مقتى وعداوتي . أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين ليس ما ترون من عبادتي الله ورفضي الإشراك به بأمر يتعجب منه ، إنما يتعجب ممن يدعو غير الله ويجعل له شريكاً . أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلاَ رَشَداً } ولا نفعاً أو أراد بالضر الغيّ ، ويدل عليه قراءة أبيّ « غياً ولا رشداً » والمعنى لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم ، إنما الضارّ والنافع الله . أو لا أستطيع أن أقسركم على الغيّ والرشد ، إنما القادر على ذلك الله عز وجل و { إِلاَّ بَلَٰغاً } استثناء منه . أي لا أملك إلا بلاغاً من الله و { قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى } جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه ، على معنى أنّ الله إن أراد به سوءاً من مرض أو موت أو غيرهما لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه والملتحد الملتجأ ، وأصله المدَّخل ، من اللحد . وقيل محيصاً ومعدلاً وقرىء « قال لا أملك » أي قال عبد الله للمشركين أو للجن . ويجوز أن يكون من حكاية الجن لقومهم . وقيل بلاغاً بدل من { مُلْتَحَدًا } أي لن أجد من دونه منجى إلا أن أبلغ عنه ما أرسلني به . وقيل { إِلاَّ } هي « أن لا » ومعناه أن لا أبلغ بلاغاً كقولك إن لا قياماً فقعوداً { وَرِسَـٰلَـٰتِهِ } عطف على بلاغاً ، كأنه قيل لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات . والمعنى إلا أن أبلغ عن الله فأقول قال الله كذا ، ناسباً لقوله إليه ، وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان . فإن قلت ألا يقال بلغ عنه ومنه قوله عليه الصلاة والسلام . 1236 " بلغوا عني بلغوا عني " ؟ قلت من ليست بصلة للتبليغ ، إنما هي بمنزلة من في قوله { بَرَاءةٌ مّنَ ٱللَّهِ } التوبة 1 بمعنى بلاعاً كائناً من الله . وقرىء « فأن له نار جهنم » على فجزاؤه أنّ له نار جهنم كقوله { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الأنفال 41 أي فحكمه أنّ لله خمسه . وقال { خَـٰلِدِينَ } حملا على معنى الجمع في من . فإن قلت بم تعلق « حتى » ، وجعل ما بعده غاية له ؟ قلت بقوله { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } الجن 19 على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ، ويستضعفون أنصاره ويستقلون عددهم { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } من يوم بدر وإظهار الله له عليهم . أو من يوم القيامة { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ أنهم { أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده ، كأنه قال لا يزالون على ما هم عليه { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ } قال المشركون متى يكون هذا الموعود ؟ إنكاراً له ، فقيل { قُلْ } إنه كائن لا ريب فيه ، فلا تنكروه فإن الله قد وعد ذلك وهو لا يخلف الميعاد . وأما وقته فما أدري متى يكون لأنّ الله لم يبينه لما رأى في إخفاء وقته من المصلحة . فإن قلت ما معنى قوله { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّىۤ أَمَداً } والأمد يكون قريباً وبعيداً ألا ترى إلى قوله { تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا } آل عمران 30 ؟ قلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد ، فكأنه قال ما أدري أهو حال متوقع في كل ساعة أم مؤجل ضربت له غاية أي هو { عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ } فلا يطلع و { مِن رَّسُولٍ } تبيين لمن ارتضى ، يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة ، لا كل مرتضى . وفي هذا إبطال للكرامات لأنّ الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين ، فليسوا برسل . وقد خصّ الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم ، لأنّ أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } يدي من ارتضى للرسالة { وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين يطردونهم عنه ويعصمونه من وساوسهم وتخاليطهم ، حتى يبلغ ما أوحى به إليه . وعن الضحاك ما بعث نبيّ إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك { لِّيَعْلَمَ } الله { أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ } يعني الأنبياء وحد أولا على اللفظ في قوله من بين يديه ومن خلفه ثم جمع على المعنى ، كقوله { فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ } الجن 23 ، والمعنى ليبلغوا رسالات ربهم كما هي ، محروسة من الزيادة والنقصان وذكر العلم كذكره في قوله تعالى { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ } محمد 31 ، وقرىء « ليعلم » على البناء للمفعول { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } بما عند الرسل من الحكم والشرائع ، لا يفوته منها شيء ولا ينسى منها حرفاً ، فهو مهيمن عليها حافظ لها { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً } من القطر والرمل وورق الأشجار ، وزبد البحار ، فكيف لا يحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه وعدداً حال ، أي وضبط كل شيء معدوداً محصوراً . أو مصدر في معنى إحصاء . عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1237 " من قرأ سورة الجن كان له بعدد كل جنيّ صدق محمداً صلى الله عليه وسلم وكذب به عتق رقبة " .