Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 6-8)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإن قلت ما معنى قوله { مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } وكيف طابق الوصف بالكرم إنكار الاغترار به ، وإنما يغتر بالكريم ، كما يروى عن عليّ رضي اللَّه عنه أنه صاح بغلام له كرّات فلم يلبه ، فنظر فإذا هو بالباب ، فقال له ما لك لم تجبني ؟ قال لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك ، فاستحسن جوابه وأعتقه ، وقالوا من كرم الرجل سوء أدب غلمانه . قلت معناه أنّ حق الإنسان أن لا يغترّ بتكرم الله عليه ، حيث خلقه حياً لينفعه ، وبتفضله عليه بذلك حتى يطمع بعدما مكنه وكلفه فعصى وكفر النعمة المتفضل بها أن يتفضل عليه بالثواب وطرح العقاب ، اغتراراً بالتفضل الأوّل ، فإنه منكر خارج من حد الحكمة ، ولهذا 1273 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلاها . " غرّه جهله " وقال عمر رضي الله عنه غرّه حمقه وجهله . وقال الحسن غره والله شيطانه الخبيث ، أي زين له المعاصي وقال له أفعل ما شئت ، فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أوّلا وهو متفضل عليك آخراً ، حتى ورطه وقيل للفضيل ابن عياض إن أقامك الله يوم القيامة وقال لك { مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ } ماذا تقول ؟ قال أقول غرّتني ستورك المرخاة . وهذا على سبيل الاعتراف بالخطأ في الاغترار بالستر ، وليس باعتذار كما يظنه الطماع ، ويطّن به قصاص الحشوية ويروون عن أئمتهم إنما قال { بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ } دون سائر صفاته ، ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرّني كرم الكريم . وقرأ سعيد بن جبير « ما أغرّك » إما على التعجب ، وإما على الاستفهام من قولك غرّ الرجل فهو غارّ إذا غفل ، من قولك بيتهم العدوّ وهم غارّون . وأغرّه غيره جعله غاراً { فَسَوَّٰكَ } فجعلك سويا سالم الأعضاء { فَعَدَلَكَ } فصيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه ، فلم يجعل إحدى اليدين أطول ، ولا إحدى العينين أوسع ، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود ، ولا بعض الشعر فاحماً وبعضه أشقر . أو جعلك معتدل الخلق تمشي قائماً لا كالبهائم . وقرىء « فعدلك » بالتخفيف وفيه وجهان ، أحدهما أن يكون بمعنى المشدّد ، أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت والثاني { فَعَدَلَكَ } فصرفك . يقال عدله عن الطريق يعني فعدلك عن خلقة غيرك وخلقك خلقة حسنة مفارقة لسائر الخلق . أو فعدلك إلى بعض الأشكال والهيآت . { مَّا } في { مَّا شَآءَ } مزيدة ، أي ركبك في أيّ صورة اقتضتها مشيئته وحكمته من الصور المختلقة في الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والأنوثة ، والشبه ببعض الأقارب وخلاف الشبه فإن قلت هلا عطفت هذه الجملة كما عطف ما قبلها ؟ قلت لأنها بيان لعدلك . فإن قلت بم يتعلق الجار ؟ قلت يجوز أن يتعلق بركبك . على معنى وضعك في بعض الصور ومكنك فيه ، وبمحذوف أي ركبك حاصلاً في بعض الصور ومحله النصب على الحال إن علق بمحذوف ويجوز أن يتعلق بعدلك ، ويكون في أي معنى التعجب ، أي فعدلك في صورة عجيبة ، ثم قال ما شاء ركبك . أي ركبك ما شاء من التراكيب ، يعني تركيباً حسناً .