Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 88, Ayat: 17-26)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإبِلِ } نظر اعتبار { كَيْفَ خُلِقَتْ } خلقاً عجيباً ، دالاً على تقدير مقدر ، شاهداً بتدبير مدبر ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرها إلى البلاد الشاحطة فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت ، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعاز ضعيفاً ولا تمانع صغيراً ، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار . وعن بعض الحكماء . أنه حدث عن البعير وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل بها ، ففكر ثم قال يوشك أن تكون طوال الأعناق ، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش حتى إن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعداً ، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم . وعن سعيد بن جبير قال لقيت شريحاً القاضي فقلت أين تريد ؟ قال أريد الكناسة قلت وما تصنع بها ؟ قال أنظر إلى الإبل كيف خلقت . فإن قلت كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة ؟ قلت قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم وبواديهم فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم ، ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة ، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب ، كالغمام والمزن والرباب والغيم والغين ، وغير ذلك ، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل كثيراً في أشعارهم ، فجوز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز { كَيْفَ رُفِعَتْ } رفعاً بعيد المدى بلا مساك وبغير عمد . { كَيْفَ نُصِبَتْ } نصبا ثابتاً ، فهي راسخة لا تميل ولا تزول و { كَيْفَ سُطِحَتْ } سطحاً بتمهيد وتوطئة ، فهي مهاد للمتقلب عليها . وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه « خلقت » ورفعت ونصبت ، وسطحت على البناء للفاعل وتاء الضمير ، والتقدير فعلتها . فحذف المفعول . وعن هٰرون الرشيد أنه قرأ « سطحّت » بالتشديد والمعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق ، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه . أي لا ينظرون ، فذكرهم ولا تلح عليهم ، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون { إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ } كقوله { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } الشورى 48 . { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } بمتسلط ، كقوله { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } ق 45 ، وقيل هو في لغة تميم مفتوح الطاء على أن « سيطر » معتد عندهم وقولهم تسيطر ، يدل عليه { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ } استثناء منقطع ، أي لست بمستول عليهم ، ولكن من تولى { وَكَفَرَ } منهم فإن لله الولاية والقهر . فهو يعذبه { ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } الذي هو عذاب جهنم . وقيل هو استثناء من قوله { فَذَكّرْ } أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى ، فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض . وقرىء « إلاَّ مَن تَوَلَّىٰ » على التنبيه . وفي قراءة ابن مسعود « فإنه يعذبه » وقرأ أبو جعفر المدني « إيابهم » بالتشديد . ووجهه أن يكون « فيعالا » مصدر « أيب » فيعل من الإياب . أو أن يكون أصله أوّاباً فعالاً من أوّب ، ثم قيل إيواباً كديوان في دوّان ، ثم فعل به ما فعل بأصل سيد وميت . فإن قلت ما معنى تقديم الظرف ؟ قلت معناه التشديد في الوعيد ، وأن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام ، وأن حسابهم ليس بواجب إلا عليه ، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير . ومعنى الوجوب الوجوب في الحكمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1298 " من قرأ سورة الغاشية حاسبه الله حساباً يسيراً " .