Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-27)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مواطن الحرب مقاماتها ومواقفها قال @ وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طُحْتَ كَمَا هَوَى بِأَجْرَامِهِ مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي @@ وامتناعه من الصرف لأنه جمع ، وعلى صيغة لم يأت عليها واحد ، والمواطن الكثيرة وقعات بدر ، وقريظة ، والنضير ، والحديبية ، وخيبر ، وفتح مكة . فإن قلت كيف عطف الزمان والمكان وهو { يَوْمٍ حُنَيْنٍ } على المواطن ؟ قلت معناه وموطن يوم حنين . أو في أيام مواطن كثيرة ويوم حنين . ويجوز أن يراد بالموطن الوقت كمقتل الحسين ، على أنّ الواجب أن يكون يوم حنين منصوباً بفعل مضمر لا بهذاالظاهر . وموجب ذلك أنّ قوله { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ } بدل من يوم حنين ، فلو جعلت ناصبه هذا الظاهر لم يصحّ لأنّ كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ولم يكونوا كثيراً في جميعها ، فبقي أن يكون ناصبه فعلاً خاصاً به ، إلاّ إذا نصبت « إذ » بإضمار « اذكر » وحنين وادٍ بين مكة والطائف ، كانت فيه الوقعة بين المسلمين وهم اثنا عشر ألفاً الذين حضروا فتح مكة ، منضماً إليهم ألفان من الطلقاء ، وبين هوازن وثقيف وهم أربعة آلاف فيمن ضامّهم من إمداد سائر العرب فكانوا الجمّ الغفير ، فلما التقوا قال رجل من المسلمين لن نغلب اليوم من قلة ، فساءت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل قائلها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل أبو بكر رضي الله عنه وذلك قوله { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } فاقتتلوا قتالاً شديداً وأدركت المسلمين كلمة الإعجاب بالكثرة ، وزلّ عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة ، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وهو ثابت في مركزه لا يتحلحل ، ليس معه إلاّ عمه العباس رضي الله تعالى عنه آخذ بلجام دابته وأبو سفيان بن الحرث ابن عمه ، وناهيك بهذه الوحدة شهادة صدق على تناهي شجاعته ورباطة جأشه صلى الله عليه وسلم ، وما هي إلاّ من آيات النبوة وقال 454 يا ربي ائتني بما وعدتني . وقال صلى الله عليه وسلم للعباس - وكان صيتاً صيح بالناس ، فنادى الأنصار فخذاً فخذاً ، ثم نادى يا أصحاب الشجرة ، با أصحاب البقرة ، فكرّوا عنقاً واحداً وهم يقولون لبيك لبيك ، ونزلت الملائكة عليهم البياض على خيول بلق ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتال المسلمين فقال هذا حين حمي الوطيس ، ثم أخذ كفاً من تراب فرماهم به ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا ، قال العباس لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض . خلفهم على بغلته { بِمَا رَحُبَتْ } ما مصدرية ، والباء بمعنى مع ، أي مع رحبها وحقيقته ملتبسة برحبها ، على أن الجارّ والمجرور في موضع الحال ، كقولك دخلت عليه بثياب السفر ، أي ملتبساً بها لم أحلها ، تعني مع ثياب السفر . والمعنى لا تجدون موضعاً تستصلحونه لهربكم إليه ونجاتكم لفرط الرعب ، فكأنها ضاقت عليكم { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } ثم انهزمتم { سَكِينَتَهُ } رحمته التي سكنوا بها وآمنوا { وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } الذين انهزموا . وقيل هم الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقع الهرب { وَأَنزَلَ جُنُوداً } يعني الملائكة ، وكانوا ثمانية آلاف ، وقيل خمسة آلاف ، وقيل ستة عشر ألفاً { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالقتل والأسر ، وسبي النساء والذراري { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ } أي يسلم بعد ذلك ناس منهم . وروي 455 أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وقالوا يا رسول الله ، أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا . قيل سبي يومئذ ستة آلاف نفس ، وأخذ من الأبل والغنم ما لا يحصى ، فقال إنّ عندي ما تروون ، إنّ خير القول أصدقه ، اختاروا إما ذراريكم ونساءكم ، وإما أموالكم . قالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين ، وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً ، فمن كان بيده شيء طابت نفسه أن يردّه فشأنه ، ومن لا فليعطنا وليكن قرضاً علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه . قالوا رضينا وسلمنا ، فقال إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى ، فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا ، فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا .