Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 106-106)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا … } تكلم ابن عطية هنا كلاما حسنا من جملته أن قال : المنسوخ عند أيمتنا هو الحكم الثابت نفسه لا ما ذهبت إليه المعتزلة من أنه مثل الحكم الثابت فيما يستقبل ، وقادهم إلى ذلك مذهبهم من أن الأوامر مرادة ، ثم قال : والتخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به لأن المخصص لا يتناوله العموم فقط . قال ابن عرفة : قالوا : وليس معناه أنه لم يكن ( مرادا لئلا يلزم عليه كون الأمر غير الإرادة ، وإنما معناه أنه لم يكن ) متعلق الحكم ، ومنهم من قال : رفع الحكم إن كان قبل العمل به فهو تخصيص وإن كان بعد العمل به فهو نسخ . قال ابن عطية : وقد ينسخ الأثقل بالأخف كنسخ قتال الواحد للعشرة . قال ابن عرفة : والثقل والخفة باعتبار المصالح ، فقد يكون متعلق هذه المصلحة أرجح من متعلق المصلحة الأخرى أو مساويا لها . ولا شك أن وقوف الواحد للعشرة ( ثوابه ) يكون أعظم من ثواب ما هو أخف منه لكنه نادر ، وليس بأكثري الوقوع فنسخ بما هو أخف منه وأقل ثوابا لكونه أكثري الوقوع ، فيتعدد ثوابه ويكثر بتعدد وقوعه ، والأخف بالأثقل كنسخ صوم عاشوراء / بصيام رمضان . قال : وأجمعوا على جواز نسخ القرآن بخبر الواحد . قال أبو المعالي ؛ إنه واقع في مسجد قباء لأنهم كانوا يصلون فيه العصر إلى بيت المقدس ، فمر بهم بعض الصحابة ، فأخبرهم أن القبلة حولت إلى مكة ، فتحولوا في الصلاة . ومنع ذلك قوم ، وقالوا : إنما نسخ بالقرآن . قال : ولا يصح نسخ النص بالقياس . وقال ابن عرفة : لأن النص المقيس عليه إما أن يكون موافقا لذلك ( النص ) المنسوخ أو مخالفا فإن كان ( موافقا ) فلا نسخ ، وإن كان ( مخالفا ) فهو النّاسخ ( لا ) القياس . ولا ينسخ النص بالإجماع لأنه إنما يكون في حياة النّبي صلى الله عليه وسلم والإجماع إنما هو بعد وفاته . قيل لابن عرفة : قد حكى الأصوليون عن أبي مسلم أنه أنكر وقوع النسخ من أصله ؟ فقال ابن عرفة : إنما ذلك في الفروع والأحكام الظنية ، وأما باعتبار الملة فلا خلاف بين المسلمين في وقوعه وأنّه تنسخ ملة بملة . وإنما الكلام فيه باعتبار الشخص الواحد هل يصح نسخ الحكم في ملته ( بحكم آخر أم لا ) قولان . قوله تعالى ؛ { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَا … } . الخير باعتبار المصالح الشرعية ، فقد يكون متعلق الحكم يستلزم مصلحة أرجح ( من مصلحة أو مثلها ومعنى { نُنسِها } أي نؤخرها فتعجيل نسخها أو تأخير نزولها إنما هو لتعجيل الإتيان بما مصلحته أرجح ) . وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة . واحتج الفخر الرازي في المحصول بهذه الآية على جواز النسخ ووقوعه . ورد عليه السراج في التحصيل بأنها قضية شرطية لا تدل على وقوع ولا على إمكان الوقوع كقوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } وأجاب عنه ابن الخطيب شمس الدين الجزري بأن الاية خرجت مخرج المدح ، والمدح لا يكون إلا بما ( هو ) واقع بالفعل لأن الله تعالى قال : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . فقد أثنى على نفسه جل وعلا بذلك . قال ابن عرفة : والتحقيق في هذا ( أن ) المدح دال على جواز النسخ وإمكانه لا وقوعه كما تقول : فلان قادر على أن يعطي ألف درهم وإن لم يعطها بالفعل ، فالمدح بذلك دال على أن إعطاءه غير محال بل هو ممكن سواء وقع بالفعل أم لم يقع . قوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قال ابن عطية : الهمزة ( للتقرير ) . قال ابن عرفة : التقرير في حق المرضي عنه ليس ( كالتقرير ) في حق غيره . قال : فإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فالمعادل محذوف تقديره : أم علمت ذلك ، وضعفه ابن عرفة وأبو حيان بأن المعادلة إنما يحتاج إليها إذا كان الاستفهام عن أمرين يكون المتكلم شاكا في أحدهما فيطلب تعيينه . وأما إذا كان الإستفهام للتقرير فليس على هو حقيقته فلا يحتاج إلى المعادلة بوجه . قال ابن عطية : وهو مخصوص بالقديم والمحال . قال ابن عرفة : أما القديم فظاهر لأن القدرة لا تتعلق به ، وأما المحال ( فلا ) يتناوله اللّفظ ( بوجه ) ، لأنه ليس بشيء ولا سيما المحال عقلا . ونقل بعض الطلبة عن شرح الأسماء الحسنى لابن ( الدهاق ) قولا بجواز تعلق القدرة بالمحال العقلي . ورده ابن عرفة بقول الإرشاد : العقل علوم ضرورية لجواز الجائزات واستحالة المستحيلات قال : فيلزم سقوط هذا القسم ولا قائل به . قال ابن عرفة : وتقدم لنا ( في الختمة الأخرى ) في الآية سؤال ، وهو أن النسخ تبديل آية بآية أو حكم شرعي بحكم شرعي ، والحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، وخطابه كلامه القديم الأزلي ، فهو راجع إلى الكلام القديم ، والقدرة لا تتعلق بالقديم بوجه ، وإنما تتعلق بالحادث فكيف حسن بعده أن يقال : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ؟ وأجيب بأنه نسخ ما ثبت وتقرر في الأذهان على سبيل اعتقاد الدّوام ، وقد تقرر في الأذهان دوام الحكم الشرعي الذي هو مضمون الكلام القديم ، فالنّسخ عبارة عن ارتفاعه . وردّه ابن عرفة بأنّ ذلك الذي أنكر النسخ لم ينكره من حيث كونه تبديل اعتقاد باعتقاد ، وإنّما أنكره لكونه يلزم عليه ( البداء ) لأن الحكم الأول كان مرادا لله فيصير غير مراد له وهو باطل . ( قال ابن عرفة : وإنّما عادتهم يجيبون عن السّؤال ) بأنه لما كان المتبادر للذهن أنّ الشيء لا يرتفع إلا بثبوت نقيضه ، فإذا نسخ الحكم الشرعي المتضمن المصلحة إنما ينسخه حكم آخر يتضمن مفسدة فأخبر أن الله تعالى قادر على أن يصير الحكم الشرعي المتضمن للمصلحة ، متضمنا لمفسدة باعتبار الأزمان فيكون الحكم في زمن متضمنا للمصلحة ثم يعود في زمن آخر متضمنا للمفسدة ، ( فحينئذ ) ينسخه الله تعالى بحكم شرعي يتضمن مصلحة إما مثل الأولى أو أرجح منها . قال ابن عرفة : وجاء الترتيب في الآية على أحسن وجه ، فبين أولا جواز تعلق القدرة بكل شيء ، ثم بين وقوع ذلك الجائز بقوله تعالى : { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ثم بين ( بعده ) أن ذلك خاص لا يشاركه فيه غيره بوجه . وقال ابن عرفة : والملك / عبارة عن أهلية التصرف العام في جميع الأمور من المتملك ، فمالك العبد ليس مالكا له حقيقة لأنه ليس له قتله ولا أن يضربه الضرب المبرح ، فحقيقة الملك إنما هو لله تعالى .