Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 13-13)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ … } قال الفخر ( الخطيب ) : بدأ بالنهي عن الفساد لأنه راجع لدفع المؤلم ثم عقبه بالأمر بالإيمان لرجوعه إلى جلب المصالح ، لأن دفع المفاسد آكد من جلب المصالح . قال ابن عرفة : والآية عندي حجة لمن يقول : إنّ النظر واجب ( بالعقل ) ( إذ لو كان واجبا ) بالشرع لما كلفوا بالإيمان بل كانوا يكلفون بالنظر . فإن قلت : ليس هذا بأول تكليفهم فلعلهم كلّفوا به بخطاب آخر قبل هذا ؟ ( قلنا ) : الآية خرجت مخرج ذمّهم والذّم ( الأغلب ) فيه أنه إنما يقع على المخالفة في الأصل لا في الفرع . قال ابن عرفة : ولكن يمكن أن يجاب عنه بوجهين : الأول : أن الآية خرجت مخرج التقسيم بين الشيء وضدّه . ( والإيمان ) نقيض الكفر ، وليس بينهما اشتراك ، والنظر لا ( يناقض ) الكفر لأنه يكون صحيحا ويكون فاسدا ، ( فقد ) ينظر المكلف فيهتدي ، وقد ينظر فيضل . فالنظر اشتراك بين الكفر والإيمان فلأجله لم يقل : وَإِذَا قِيلَ ( لَهُمْ ) انظروا كما نظر الناس ، ( لأنّه ) لا يدل صريحا على تكليفهم بالنظر الصحيح . الثاني : إن النفوس مجبولة على النظر في غرائب الأمور فلو كلفوا بالنظر لأشبه ذلك ( تحصيل الحاصل ) . قيل لابن عرفة : أو يجاب بأن تكليفهم بالإيمان وذمهم على عدمه يستلزم تكليفهم بالنظر . قال : ( والكاف ) منهم من جعلها ( نعتا ) ( لمصدر ) ( محذوف ) أي إيمانا ( شبيها ) ( بإيمان ) الناس والمشبه بالشيء والمشبه بالشيء لا يقوى قوته ، ففيه حجة لمن يقول : إن الإيمان يزيد وينقص ( فكلفوهم ) بتحصيل أقل ما يكفي منه ، فلم يقبلوا ذلك . قال أبو حيان : ومنهم من أعربه حالا من الإيمان أي آمنوا الإيمان كما آمن الناس لأن الإيمان المقدر يعرف بالألف واللام . قال ابن عرفة : ولا يحتاج إلى ( هذا ) ( لأن ) سيبويه قال في قوله تعالى : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } إن رُوَيدا حال من المصدر المقدر وهو إمهال وصحّ إتيانها منه وإنْ كان نكرة ( لأنه ) لما ينطق به أشبه المضمر في المعرفة ، ( فكذلك يكون هذا ) . قوله تعالى : { أَنُؤْمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ … } أجابوا بعدم الامثتال مع ذكر الموجب لذلك ، فأما أن يريدوا بالسفهاء المؤمنين فيكون ( جرأة ) منهم ومباهتة : أي أنتم سفهاء ضعفاء فلا نتبعكم ، أو لم يقصدوا أعيان المؤمنين بل قالوا هذا على سبيل المبالغة والجدل فيقول لهم المؤمنون على : هذا نعم ، نقول بموجبه : ( ونحن ) لم نأمركم بإيمان السّفهاء فلسنا بسفهاء ، وعلى الأول ( لا ) يحسن أن يقول لهم ذلك المؤمنون لأنهم ( مباهتون ) ويقولون : أنتم هم السفهاء . قال الزمخشري : وإنما أطلقوا عليهم ذلك باعتبار الغالب لأن أتباع النبي صلّى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان أكثرهم فقراء . قيل لابن عرفة : إنما كان هذا في المدينة . ( قال ) : كان أكثر المهاجرين معه فقراء . قال الزمخشري : وختمت الآية بقوله : { وَلَٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } ، وتلك { لاَّ يَشْعُرُونَ } إما لأن الفساد في الأرض ( أمر ) محسوس فناسب الشعور الذي هو ( أوائل ) الإدراك والإيمان معنوي يناسب العلم ، ( وإما لتقدم السفه وهو جهل ، فناسب ذكر العلم طباقا ) . قال ابن عرفة وانظر هل فيها دليل على أن التقليد كاف لقوله : { آمِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ } . ( الظاهر أنه ليس فيها دليل لأن المراد : انظروا لتؤمنوا كما آمن الناس ) لأن الأمر بالإيمان أمر بما هو من لوازمه ، ومقدماته ، ومفعول " يعلمون " إما عاقبة أمرهم أو المراد لا يعلمون صحة ما أمروا ( به ) أو لا يعلمون علما نافعا ، وحذف المفعول ( قصدا ) لهذا العموم . قال ابن عرفة : وفي هذه آيتان ، آية من الله تعالى بعلمه ذلك ( مع أنهم ) أخفوه : وآية أخرى بإعلامه به محمدا صلى الله عليه وسلم .