Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 23-23)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ … } قال ابن عرفة : لمّا تقدم الكلام معهم في الإيمان بتوحيد الله والإيمان بالرسالة عقب ذلك بما جرت به العادة ( في المخاطبة ) بالجدل ، وهو ( أنكم ) وقع منكم شك في البرهان الذي أتاكم به الرسول دليلا على صحة رسالته فعارضوه ، وهذا أحد أنواع الجدل وهو إما القدح في دليل الخصم ، أو معارضته بدليل آخر . ( قيل ) : لابن عرفة : هم ادعوا أن القدح في الدليل فهلا عجزوا بذلك ؟ فقال : ( قد ) نجد الخصم يدعي دعاوي ( جملة ) ويقدح في دعاوي خصمه ، ولا يقبل منها شيّا إلا ما يمكن أن يكون فيه شبهة . قال : والأظهر أن الريب هو عدم الجزم بالشيء ، فتناول الظن والشك والوهم ، لأن الإيمان لا يحصل إلا بالجزم اليقيني ، وما عداه كله ليس بإيمان . قال : وعبّر بـ " إن " دون إِذَا لأن المراد ( التنبيه ) عن حالهم ، وأنها مذمومة شرعا فعبر عنها لما يقتضي عدم الوقوع وإن كانت واقعة . وأورد الزمخشري أن نزّل يقتضي التنجيم ، وأنزل يقتضي الإنزال دفعة واحدة . وأجاب ( عن ذلك ) بأن المراد أنه نزل شيئا بعد شيء . قال ابن عرفة : ونقضوا هذا بقوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } وتقدم الجواب عنه . قال التلمساني : من أن اللّفظ ( قد ) يدل على المعنى بظاهره ولا ( يظهر ) ( بخلافه ) في بعض الصور . فإن قلت : ما الحكمة في تنزيله منجما ؟ ( قلنا ) : علله بعضهم بما في الآية وهي : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } قال ابن عرفة : يرد عليه أنه من الجائز أن يثبت الله تعالى به فؤادك صلّى الله عليه وسلم مع نزوله جملة واحدة . قال : ويمكن تعليله بأن ذلك الأظهر فيه كمال الدلالة على صدقه لأن العادة أن رسول الملك إذا كذب عليه إنما يكذب مرّة واحدة وبعيد أن ( يكرر ) الكذب خشية التفطن منه والعلم به فلو أنزل عليه في مرة واحدة لقويت التهمة في حقه فلما تكرر إنزاله مرارا كان ذلك ادعى لجواب تصديقه . قوله تعالى : { عَلَىٰ عَبْدِنَا … } ولم يقل على رسولنا تنبيها على ما يقوله أهل السّنة من أنّ الرّسول من جنس البشر وعلى طبعهم ( وأنّ وصف الرسالة أمر اختص ) الله به من شاء من عباده وليست في ذواتهم زيادة ( موجبة ) بوجه . وقال القرطبي : إنما قال ذلك لأن العبودية تقتضي التذلل والخضوع ولا شك أن التذلل للبارئ جل وعلا هو أشرف الأشياء . قال ابن عرفة : نمنع ذلك بل ( وصف الرسالة أفضل منه ) فهلا قيل : مما نزلنا على رسولنا ؟ وقال بعضهم : إنما ذلك تنبيها على أنّهم إذا ذموا على مخالفته مع استحضار كونه عبدا فأحرى أن يذموا على ذلك مع استحضار كونه رسولا من عند الله . و ( قرئ ) { مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } . فإن قلت : إنما هم في ريب مما نَزَلَ على عبدنا هذا فقط ، قلنا : الشك في المنزل على هذا شك في المنزل على من قبله لأن الكل رسل من عند الله يصدق بعضهم بعضا فالشكّ في أحدهم شكّ في الجميع . قوله تعالى : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ … } قال ابن عرفة : ( قال ابن عطية ) : قال الأكثرون : مثل نظمه ووصفه وفصاحة معانيه ولا يعجزهم إلا ( التأليف ) الذي خص الله به القرآن ، وبه وقع الإعجاز عند الحذاق . وقال بعضهم : من مثله في غيوبه وصدقه وقدمه ( في التحدي وقع عند هؤلاء بالقديم ) . قال ابن عرفة : إن قلت : هذا ( الخلاف ) مخالف لما ( نصّ ) عليه الفخر وإمام الحرمين في الإرشاد من أن المعجزة من شرطها أن تكون حادثة لأنها ( إن ) كانت قديمة استحال أن يأتي بها الرسول ، ( أو تكون ) دليلا على صدقه لأن الرسول حادث . ( قلت ) : القديم هنا ليس هو كل المتحدى به هو جزء من أجزاء المعجزة التي تحدّى بها الرسول ، فالرسول تحدى بكلام لا مثل له في صدقه وإخباره بالغيوب وأن مدلوله ( هو القديم ) . قال المقترح وابن بزيزة في شرح الإرشاد : اختلفوا هل يجوز أن تعلم صحة الرسالة بغير المعجزة ( أم لا ) ؟ فأجاز القاضي أبو بكر الباقلاني وابن فورك في تأليفه في الأصول ومنعه إمام الحرمين هذا في الجواز . وأما الوقوع فلم يقع في الوجود إلا مع المعجزة ( اتفاقا ) وكان بعضهم يقول : هذا إنما لا ينبغي الخوض فيه لأنه كلام لغير فائدة لا ينبغي عليه كفر ولا إيمان . ( وكان الشيخ الصالح الزاهد أبو محمد عبد الهادي نقل عنه بعضهم أنه قال : يجوز في العقل أن يخلق الله خلقا أكرم عليه من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فسمع بذلك ) الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن المنتصر الصوفي فأنكره الإنكار التام وألزمه إلزاما شنيعا . واجتمع بابن عبد السلام القاضي فخفف أمره حتى وقعت بين الشيخين وحشة عظيمة / بسبب قوله يجوز أن يخلق الله عقلا أكرم من نبيّه محمد صلى الله عليه وسلّم . ( قوله تعالى : { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يحتمل أن يريد بالشهادة أي الاستصراخ للاجتماع والتعاون على الإتيان بمثله ويحتمل أن يريد فأتوا بمثله واستحضروا شهداءكم لا شاهدا واحدا يشهدون لكم أنه من عند الله . وعبّر " بإِنْ " تنبيها على أن صدقهم في ذلك محال ) .