Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 249-249)
Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ … } . أضمر ابن عطية هنا الجواب فقال : التقدير ، فاتفق بنو اسرائيل على أن طالوت ملك وأذعنوا وتهيّؤوا لغزوهم عدوهم فلما فصل طالوت بالجنود ( تعنتوا ) . قال ابن عرفة : ترك ( إضماره ) سبب الجواب وحقه إن كان يضمر شيئين : الجواب وسبب الجواب ، ويقول : التقدير فلما أتاهم بآية ملكه وفصل بالجنود تعنتوا . قال ابن عرفة : وعطفه بالفاء لأنه سبب ظاهر كما تقول : جاء الغيم فلما نزل المطر كان كذا ، وتقول أيضا : قام زيد ولما نزل المطر قعد فهذا ليس بسبب . قال ابن عرفة : وإنما قال : " بِالجُنُودِ " ولم يقل : بجنوده لما اقتضت الآية من أن أكثرهم تعنتوا عليه وخرجوا عن طاعته فليسوا بجنوده ، وإنما قال : " مُبْتَلِيكُمْ " فعبر بالاسم دون الفعل تحقيقا لوقوع ذلك في نفس الأمر وثبوته في علم الله تعالى أزلا ، وأنه لا بد منه . وعلمه بذلك ، إما بالوحي أو بإخبار من النبي . قوله تعالى : { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي … } . فسره الشيخ الزمشخري : بالكرع مع أنه ينفي فيه المفهوم لأن الشرب منه يكون كرعا ويكون بإناء تملأ منه أو باليد . وقوله " فَلَيْسَ مِنِّي " فسره إن أراد نفيه حقيقة عنه فيكون مجازا لأنه معلوم أنه ليس منه ، فعبر بنفيه عنه نفيه عن ملته ، وإن أراد نفيه عن اتباعه أي فليس من اتباعي وجندي فيكون على إضمار مضاف فيتعارض المجاز والإضمار . قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } . قال ابن عرفة : أكد الثّاني ( بإن ) ، ولم يقل في الأول " فمن شرب منه فإنه ليس منّي " ؟ قال : والجواب بأنه إنّما لم يؤكد الأول لأن سببه أكثر ( في ) الوقوع ، وأكد الثاني لأن سببه أقل في الوقوع فأكده حضا على المبادرة إلى امتثال سببه والعمل بمقتضاه . قال : واحتج به بعضهم على أنّ الماء طعام وهو قول ابن نافع نقله ابن يونس في كتاب السلم الثالث . وكان القاضي أبو عبد الله بن عبد السلام يحكي لنا عن الفقيه القاضي أبي القاسم / بن علي بن البراء أن رجلا سأله وهو راكب على بغلته عمن حلف بالله لا يتناول طعاما ؟ فقال له : لا يأكل ولا يشرب الماء لأنه طعام واحتجّ بهذه الآية . ورده ابن عرفة بوجهين : الأول منهما : أن الآية اقتضت ذلك لغة ، وأما الشرع فلا يسميه طعاما . الثاني : أنه نفى في الأول الشرب وفي الثاني الطعمية ، والطعمية أوائل الشرب ، ولذلك ذكروا في الصيام أن الصّائم اذا استطعم الماء وبصقه فإنه لا يفسد صومه ، فلما تعلق النفي بأوائل الشرب قال : " فَإِنَّهُ مِنِّي " ، فأكد نسبته إليه بـ ( إنّ ) أي من اتّصف بكمال البعد عنه فهو موصوف بكمال القرب مني وبقي الواسطة مسكوتا عنه وهو الذي شرب بالإناء على تفسير الزمخشري فإما أن ذنبه أقل من ذنب من كرع أو مُسَاوٍ . قال ابن عرفة : وَ ( لَمْ ) هنا بمعنى ( لما ) . قوله تعالى : { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ … } . قال أبو حيان : يستثني من الجملة ( الأولى وهي ) { فَمَن شَرِبَ } . زاد أبو البقاء أو مِنْ " مَنْ " الثانية وهي { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } . وتعقب بأنّه لو كان من " مَن " الثانية للزم أن يكون من اغترف غرفة واحدة بيده ليس منه ( مع أنّه أبيحت لهم الغرفة ) الواحدة باليد لأن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات . قال ابن عرفة : هذا لا يتعين بل يحتمل عندي استثناؤه من الجملتين فعلى أنّه مستثنى من الأولى يكون المراد نفيه عن الدخول في حكم ليس منِّي أي هو ( منه ) وعلى أنّه مستثنى من قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } يكون ( النَّاس ) على ثلاثة أقسام : شارب بفيه فليس منه ، وشارب منه بيده وهذا يقال فيه ( هو ) منه فقط ، ومن لم يشرب منه شيئا يقال فيه : إنَّه منه مجاله أبلغ ، فاستثناؤه من الأخص أي إلا من اغترف غرفة بيده فليس محكوما عليه بأنّه " منّي " أي ليس متصفا بكمال القرب مني . قيل لابن عرفة : يلزمك أن يكون ليس منّي قدرا مشتركا بين الحرام والمباح ؟ فقال : لم نخرجه ( منه ) وإنّما أخرجتهم ، من قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } فإذا خرج من هذا كان منفيا عنه أي يكون منه ( وقد ) قال : أول الآية { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي } . فيتعين أنّ النفي هنا ( نفي ) أخص باعتبار ترك الأمر المستحب بفعل الأمر المباح ، فالمستحب ترك الشرب ، والمباح الشرب باليد ، والحرام الكرع فيه بالفم . قال ابن عرفة : وغرفة بالضم والفتح ، فالفتح هو الماء والضم الفعل . ( قال ابن عرفة ) : وعلى أنها الفعل يكون المفعول مقدرا أي إلا من اغترف غرفة ماء . قال ( ابن عرفة ) : وفائدة التأكيد بالمصدر على هذا تحقيقا للرخصة في ذلك الفعل وتأكيدَ ( إباحتها ) خشية أن يتوهم قصر ذلك على أدنى شيء من الماء المأخوذ باليد فأكده تنبيها على إباحتة الغرفة الواحدة بكمالها . قوله تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ ٱللَّهِ } . قال ابن عرفة : إن أريد الملاقاة بالإطلاق فهي بمعنى العلم وإن أريد الملاقاة حينئذ فالظن على بابه لأن الإنسان لا علم له بزمن موته . قال ( ابن عرفة ) : وعبر عنهم بهذا إشارة إلى ما قاله بعضهم في رسالة : " من أحب الممات حيي ومن أحب الحياة مات " . قوله تعالى : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قال ابن عرفة : قال ابن عطية : إذنُ الله هنا تمكينه وعلمه بمجموع ذلك الإذن . ( ابن عرفة : كذا يقول في كل موضع ) والصواب أنّ معناه بقدرة الله وفضله وإرادته . قال ابن عرفة : وهذا إما أن بعضهم قاله لبعض أو قالوه كلهم لأنفسهم ( تشجيعا ) لها وتوطينا على الصبر على القتال والهجوم عليه . قوله تعالى : { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } . قالوا : هذا إما من كلامهم أو من كلام الله تعالى . ابن عرفة : ( والصواب أنه من كلامهم لأن فيه تشجيعا لأنفسهم وحضا لها على المقاتلة وأما إن كان من قوله الله تعالى ) خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم فهو بعد انفصال تلك القضية فلا مناسبة لها ، انتهى .