Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 284-284)

Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لِّلَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } . احتجوا بها على أنّ أعمال العباد مخلوقة لله لأنّها ( مما ) في السماوات وما في الأرض . واحتجّوا بها على أن السّماء بسيطة إذ لو كانت كروية لكانت الأرض ( مما ) فيها ولم يكن لقوله : { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } فَائِدَة ؟ وأجيب : بأن ذكرها بالمطابقة أولى من ذكرها بالتضمّن والالتزام ، لأنها مشاهدة مرئية ، ومذهب ( المتقدمين أنها بسيطة ومذهب ) المتأخرين أنها كروية . قال الغزالي في النّهاية ولا ينبني على ذلك الكفر ولا إيمان . قوله تعالى : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ … } . من إقامة المسبب مقام سببه لأن المحاسبة ( عليه ) متسبّبة عن العلم به أي يعلمه الله فيحاسبكم عليه ، وما في النّفس إن كان وسوسة وترددا من غير جزم فلا خلاف في عدم المؤاخذة به ( وإن كان على سبيل الجزم والمواطأة عليه فإما أن يكون له أثر في الخارج أو لا . فإن كان قاصرا على نفس الإنسان ولا أثر له في الخارج كالإيمان والكفر خلاف في المؤاخذة ، وإن كان له أثر في الخارج فإن تمّ بإثره فلا خلاف في المؤاخذة ) ، كمن يعزم على السرقة ويسرق أو على القتل ويقتل ، وإن عزم عليه في نفسه ورجع عن فعله في الخارج فإن كان اختيارا لغير مانع فلا خلاف في عدم المؤاخذة به ، بل ذكروا أنه يؤجر على ذلك كما في بعض طرق الحديث ( إن ) تركها ( مأجور ) ، وإن رجع عنه لمانع منه ففي المؤاخذة به قولان . هذا محصول ما ذكره القاضي أبو الفضل عياض في الإكمال : " إذا هم العبد بسيئة فلم يعملها " الحديث ذكره مسلم في كتاب الإيمان . قال ابن عرفة : والكفر خارج من هذا لقول الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } وحكى ابن عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة أنها لما نزلت قال الصحابة : " هلكنا إن حوسبنا بخواطرنا " . فأنزل الله { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } فمنهم من جعلها ناسخة . وضعفه ابن عطية لأنه خبر فلا ينسخ . قال لكن ورد أنهم " لما قالوا : هلكنا ، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا : " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " فقالُوا فنزلت { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً } فصح النسخ وتشبه الآية حيئنذ قول الله تعالى في الأنفال : { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ } ثم نسخت بصبر المائة للمائتين . قال ابن عرفة : آية الأنفال ليس فيها إلا النسخ لأنّه رفع كلّ الحكم ( وآيَتُنَا ) هذه تحتمل النسخ والتخصيص كما قال بعضهم . قال ابن عرفة : ونظير الآية ما خرج مسلم في كتاب الإيمان عن علقمة عن عبد الله قال : لما نزلت { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ } شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وقالوا أيّنا لم يظلم نفسه ) فقال لهم عليه الصلاة والسلام : " ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : { يَٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } " . قال ابن عرفة : وذكر الفقهاء الخلاف إذا شهد شاهدان لرجل بشيء مظروف في شيء وماتا أو غابا هل يكون له الظرف ( أم لا ) ؟ قالوا : إن كان الظرف من ضرورياته لا يمكن أن يجعل إلا فيه كالزيت والخل فهو له بما / فيه باتفاق . وإن لم يكن من ضرورياته كجبّة في صندوق أو في ( صرّ ) ففي كون الظرف له خلاف . وذكره ابن الحاجب في كتاب الإقرار قال فيه ما نصه : وثوب في صندوق أو منديل ففي لزوم ظرفه قولان بخلاف زيت في جرة ، وجبة وبطانتها ، وخاتم وفصه ، أي يقبل قوله . قال ابن عرفة : والآية حجة لمن يقول شهادتهما بالمظروف يستلزم الظرف لأن كون { لِّلَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يستلزم أن السماوات نفسها له . قَال ابن عرفة : الآية حجة أيضا لمن يقول : إن الطلاق بالنية ( لا ) يلزم عندنا وفيه خلاف والمشهور أنه غير لازم . قوله تعالى : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ … } . قال الزمخشري : وقرىء فَيَغْفِرْ ( بالجزم ) في جواب الشرط . ورده أبو حيان بأن النحويين نصّوا على أن الفاء إنما تنصب في الأجوبة الثمانية ولم يعدوا منها الشرطية . فجعله معطوفا على مصدر مقدر فيكون من عطف الفعل على الاسم الملفوظ به . ونص الشلوبين على أنّ قول ( النحويين ) الأجوبة الثمانية ليس على ظاهره بل مرادهم كل ما ليس واجبا أعني ما ليس بخبر فيدخل فيه الشرط . وتحامل الزمخشري هنا ( وأساء الأدب ) على السوسي من طريق أبي عمرو وخّطأه كما خطّأ ( الصيمري ) في تبصرته ( والزّجاج ) وكذا خطأ ابن عامر في قراءته { وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ } ولكن تخطئته هنا لأبي عمرو من طريق السوسي أشنع . قال ابن عطية : هنا عن النقاش : فيغفر لمن يشاء ( أي ) لمن ( ينزع ) عنه ، ويعذب من يشاء أي من أقام عليه . قال ابن عرفة : وهذا نحو ما قال الزمخشري ، وفيه إيهام الاعتزال . قلت : لأنه يوهم أنّ المعاصي لا تغفر إلا بالتوبة ومذهب أهل السنّة أنه يجوز أن يغفر له وإن لم يتب ( منها ) إلاّ الكفر . قوله تعالى : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . قال ابن عرفة : لفظ ( شيء ) يطلق على المعدوم والموجود فأفاد أنّه على كل شيء مما في السموات والأرض ومما هو خارج ( عنهما ) قدير . قال ( والفضاء الذي بين السماء والأرض تقول إنّه عامر وإنه خارج عنها وهي مسألة الخَلاء والملاء ) ونقول : تناولت الآية الأمر الحالي والماضي ونفي المستقبل غير داخل فيها فلذلك قال : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ليدخل المستقبل .