Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 286-286)
Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } . ابن عرفة : تقدم في الآية السابقة أنّها ( إما ) منسوخة او مخصوصة بهذا أو مبيّنة بهذا . زاد ابن الخطيب أنها من كلام الناس . ورده ابن عرفة : بأنّ هذا خبر فلا يصح أن يكون من كلام الناس إذ لا طريق لهم إلى معرفته إلا أن يكون أنزل قبله ما هو في معناه . قال ابن عرفة : وتكليف ما لا يطاق فيه ثلاث أقوال : مذهب أهل السنة جوازه ، ومذهب المعتزلة منعه ، والثالث الوقف . وإذا قلنا بالجواز فهل هو واقع أم لا ؟ فيه خلاف . وتردد الأشعري في وقوعه ، وقسمه ابن التلمساني على خمسة أقسام والخلاف إنما هو في قسمين وهما المستحيل عقلا والمستحيل عادة ، وما عداهما فلا خلاف فيه إذ ليس من تكليف ما لايطاق . قال في ( شرح ) المحصول : وفائدة التّكليف بالمستحيل عقلا أو عادة أن يكون علامة على ( شقاوة ) المكلف بذلك لأنه لا يتوصل إلى امتثاله والآية حجة لمن يجيز التكليف ( بما ) لا يطاق ويبقى وقوعه إذ لا ( ينفى إلا ) ما هو ممكن الوقوع و ( من ) قال بوقوع تكليف ما لا يطاق واحتج بقضية أبي لهب فإنه مكلف بأن لا يؤمن لقوله تعالى : { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } وهو مكلف بأن يؤمن بالنّبي صلّى الله عليه وسلّم وبجميع ما جاء به ومن جملته هذا . وأجاب تاج الدين الأرموي في شرح الحاصل بأنه مكلف بأن يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إيمانا جمليا لا تفصيليا . قال الفخر وابن التلمساني : من تكليف ما لا يطاق التكليف بما علم عدم وقوعه . فقال ابن عرفة : هذا وهم وليس ذلك من تكليف ما لا يطاق بوجه لأنه ممكن في نفس الأمر فهو ( مطيق ) فعله كتكليف العصاة بالصلاة في الوقت فيفعلونها بعد الوقت قضاء . قيل لابن عرفة : ما فائدة الخلاف ( بتكليف ) ما لا يطاق بالنسبة إلى النائم ؟ فقال : قد ذكروا في النائم أنّه إذا ضرب ( برجله ) إناء فكسره فإنه يضمنه . وكذلك إذا ضرب أحدا فقتله فهل تضمينه ذلك من تكليف ما لا يطاق أم لا ؟ والظاهر أنه من خطاب الوضع والإجبار . قوله تعالى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ … } . ذكر ( الزمخشري ) وابن عطية وجه المغايرة بين الفعلين وهما متقاربان . فتقرير ما قال ابن عطية ( والزّمخشري ) أنّ المكلّف بفعل الطاعة مستحضر للثواب عليها فيسهل عليه أمرها من غير تكليف طبيعي ولا وازع له عن فعلها ، وفاعل المعصية يستحضر العقوبة عليها في الدّار الآخرة فشهوته تحمله عليها وتكلفه على فعلها وتوجب معاندته للوازع الديني . وتقرير كلام الزمخشري كأنه على عكس هذا لكنه في الحقيقة راجع إلى هذا وهو أنّ الشّر مما تشتهيه النفوس وتأمر به فهي في تحصيله أعمل وأقوى اجتهادا ( فجعلت ) له مكتسبة ولما لم تكن كذلك في الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الفعل والتكليف . وقال ابن الصائغ في باب ما جاء من المعدول على فعال : لما كان الإنسان يثاب على قليل الخير وكثيره استعمل فيه اللّفظ العام للقليل والكثير وهو " كسب " ، ولما كانت الصغائر معفوا عنها بفضل الله عز وجل جاء بلفظ الكثير إشعارا بأنها ليس عليها إلا ما فوق الصغائر قال هذا بعد أن ذكر أن : كَسَبَ واكْتَسَبَ إن اجتمعتا في كلام واحد كانت " كَسَبَ " عامة ( في الأمرين ) و " اكْتَسَبَ " خاصة بالكثير وإن انفردت إحداهما عمت في الأمرين . وقال القرافي في قواعده : إنها تدل على أن المصائب لا يثاب عليها لأنها ليس للمكلف فيها اعتماد . قلت : وفي شرح أبيات الجمل لابن هشام / النحوي حكى ابن جني عن الزجاج أنه يقال : جزيته في الخير وجازيته في الشر فيستعمل فعل الزيادة في الشر وفعل النقص في الخير ومنه { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } . وقول الشاعر أيضا : @ إنا اقتسمنا خطيئتنا بيننا فحملت بِرّهُ واحتملت فجار @@ قوله تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا … } . قال الزمخشري : فإن قلت : النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة فيهما ؟ وأجاب بأن الدعاء راجع لسببهما وهو التفريط والغفلة . قال ابن عرفة : هذا على مذهبه في منع تكليف ما لا يطاق لأنه دعاء بتحصيل الحاصل ونحن نقول : يجوز الدعاء بتحصيله لأنه ممكن باعتبار الأصالة . فإن قلت : الأصل تقديم الشّرط نحو أن يقال : إن نسينا أو أخطأنا فلا تؤاخذنا ؟ قلت : قدم المدعو به للاهتمام به . قال ابن عرفة : فالنسيان والخطأ مرفوع عن ابن آدم فيما بينه وبين الله تعالى . قيل له : قد قال الإمام مالك رضي الله عنه في العتبية فيمن حلف بالطلاق : ليصومن يوم كذا فأفطر ناسيا : إنّه لا شيء عليه ؟ فقال : قال ابن رشد وابن دحون : أي لا حنث له . وقال السيُورِي : واختاره اللخمي أي لا فضل عليه ، واحتج بحديث : " حمل ( عن ) أمتي أخطاؤها ونسيانها . وأجاب الآخرون : بأن الذي حمل إنما هو إثم الخطإ والنيسان لا نفس الخطإ . وذكرها ابن الحاجب في كتاب الأيمان والنذور ، قال : وفيها ما نصه : " والنسيان في المطلق كالعمد على المعروف ، وخرج الفرق من قوله : من حلف بالطلاق لأصومن كذا فأفطر ناسيا فلا شيء عليه " . قلت : ووقعت هذه المسألة في رسم سلف سمع من سماع عيسى من كتاب الأيمان والنذور بالطلاق . ( وقال ابن رشد : أي لا حنث عليه إذا كان ناسيا بخلاف ما لو أصبح مفطرا ) ناسيا ليمينه ، مراعاة للخلاف في وجوب القضاء على من أفطر في التطوع متعمّدا وفي رمضان ناسيا لما جاء في ذلك . قيل لابن عرفة : قد قالوا : إذا قتل رجل خطأ : إنّ على قاتله صوم شهرين ؟ فقال : النسيان إنما هو في رفع الإثم وليس سببا في صومه والقتل سبب في الصوم والشرع رتب عل ذلك القتل صوما فيجب عليه امتثاله ( لا لأنه ) كفارة بل الإثم ساقط عنه . انتهى . قوله تعالى : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا … } . قال أبو حيان : قرىء بالتشديد والتّخفيف . قال : في التشديد إما للتعدية أو للمبالغة . قال ابن عرفة : فظاهره أنه لهما على ( البديلة ) ومنهم من قال : يصح كونه لهما على المعية وقال بعضهم : أما المبالغة هنا مع التشديد فظاهرة ، وأما مع التخفيف ( فمستفادة ) من لفظ " على " لاقتضائها الاستعلاء والاستيلاء . فإن قلت : ما الفائدة في قوله : { كَمَا حَمَلْتَهُ } ولو أسقط " كما " ( احتمل ) المعنى ، وإسقاطه كان يكون أتمّ وأبلغ لأن نفي " إِصْرا " مطلق أبلغ منه مقيدا ؟ ( قال ) ابن عرفة : وعادتهم ( يجيبون ) بأن الدعاء حالة الخوف مظنة الإجابة فهو فيه أقوى ( منها ) حالة عدم الخوف لأن الخوف أقرب لمقام التضرع والالتجاء . فذكر عقوبة من مضى في هذا مما يزيد في الخوف ويقوي فيه العبودية والتضرع والالتجاء . قال ابن عطية : ولا خلاف أن المراد بـ { الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } اليهود . ابن عرفة : لأن ( تكاليفهم ) والتشديد الواقع في شريعتهم أكثر من النصارى وغيرهم ، قال الضحاك : اليهود والنصارى . قوله تعالى : { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ … } . تقدم إما أنه راجع لأمور الآخرة أو للتكاليف الدنيوية فإن كان للآخرة فهو تأسيس وإن كان للدنيا فهو تأكيد ، إن أريد بما لاَ طاقة لنا به الحقيقة وهو ما ليس في قدرة البشر لأن الدعاء لنفي ( الإصر ) يستلزم الدعاء بنفي ما فوقه ، وإن أريد به المجاز كما أشار إليه ابن عطية في أحد التفاسير من أنّه الأمر المستصعب وإن ( كانت ) تطيقه فيكون تأسيسا . قوله تعالى : { وَٱعْفُ عَنَّا … } الآية . قال ابن عرفة : وجه الترتيب هذا أن العفو عبارة عن عدم المؤاخذة بالذّنب ، وما يلزم من الدعاء برفع ( الأمر ) الذي في قدرة البشر بمشقة أو الخارجة عن قدرة ( البشر ) ، عدم المؤاخذة بالذنب . ثم عقبه بالمغفرة لأنه لا يلزم من عدم المؤاخذة ستر ولأنه قد لا يؤاخذه به ويظهره عليه ، ثم عقبه بالرّحمة لأنّ العفو والمغفرة من باب دفع المؤلم والرحمة من باب جلب الملائم ، فدفع المؤلم آكد وأولى من جلب الملائم ونحوه لابن الخطيب . قال ابن عطية : وقال سلام بن سابور الذي لا طاقة لنا به الغُلْمةُ . وروي أَن أبا الدرداء كان يقول في دعائه : وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة . ابن عرفة : الغلمة ( هي ) قوله : أنت مولانا فانصرنا . الزمخشري : أي سيدنا وناصرنا ومتولي أمرنا ومالكنا . ابن عرفة : السيد والناصر إطلاقه عليهما من قبيل المشترك والمتولي والمالك ينبغي أن يحمل على أن المراد الأخص منهما ليدخل تحت الأعم من باب أحرى . قال الزمخشري : وعنه عليه الصلاة والسلام : " من قرأ الآيتين من سورة البقرة في كل ليلة كفتاه " . قال ابن عرفة : أولهما " آمَنَ الرّسُول " ومعنى كفتاه أي يرفعان قارئهما عن رتبة من حرم قيام الليّل . قلت : وفي إكمال القاضي عياض أي في كتاب الطب : أي كفتاه كل هامة وشيطان فلا يضره ( وفي سلاح المؤمن معنى كفتاه أجزأتاه عن قيام الليّل . وقيل : كفتاه من كل شيطان لم يضر به ليلته " وقيل : كفتاه مما يكون من تلك اللّيلة من الآفات وقيل : حسبه بهما فضلا وأجرا . ويحتمل الجميع والله سبحانه وتعالى أعلم ) .