Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-30)
Tafsir: Tafsīr al-imām ʾibn ʿArafa
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ … } قال ابن عرفة : ( { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } هذه لنا فيها وجه مناسبة لما قبلها ) هو أنه لما قدم الامتنان عليهم بخلقهم وجعل الأرض لهم فراشا عقبه ببيان السبب فيهم وفي خلق أهلهم وهو آدم ( صلى الله عليه وسلم ) . وقرر الطيبي وجه المناسبة بأمرين إما أنه ترّق فمن عليهم بأمرين خلقهم ثم خلق أباهم آدم عليه السلام . ورده ابن عرفة بأنّه داخل في عموم قوله { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } قال : فما المناسبة إلا ما ( قلناه ) . قال أبو حيان : والظرفية لازمة لإِذْ ، إن يضاف إليها زمان نحو يَوْمَئِذٍ ، و { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } قال ابن عرفة : بل هو ظرف مطلقا إذ لا يمتنع إضافة الزمان وتكون من إضافة الأعم إلى الأخص أو الأخص إلى الأعم أو يكون بينهما عموم وخصوص من وجه دون وجه كقولك : جئتك في أول ساعة من يوم الجمعة فأول أخص من ساعة . وذكر أبو حيّان في إعراب " إِذْ " ثمانية أقوال ، رابعها أنه ظرف في موضع خبر المبتدأ ( تقديره ) ابتدأ خلقكم إِذْ قَالَ رَبُّكَ . ( ورده ) ابن عرفة بأن زمن الابتداء ليس هو زمن هذه المقالة بل بعدها قال : فيكون الصواب أنّ تقديره ( سبب ) ابتداء خلقكم . قال : والأصح أن العامل فيها { قَالُواْ أَتَجْعَلُ } . قال ابن عرفة : يرد عليه أن قولهم ذلك إنما كان جوابا عن قوله تعالى { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } فليس مقارنا له بل هو بعده بلا شك إلا أن يقال : إن ما قارب الشيء ( له ) حكمه وهذا مع قطع النظر عن الكلام القديم الأزلي لأنه يستحيل عليه الزمان ويستحيل نسبة ( التقدم ) والتأخر إليه . قال ابن عطية : قال ابن عباس رضي الله عنهما : كانت الجن قبل بني آدم ( في الأرض ) فأفسدوا ، وسفكوا الدّماء ، فبعث الله إليهم قبيلا من الملائكة ، فقتلت بعضهم وهربت باقيهم ، وحصروهم إلى البحار ، ورؤوس الجبال ، وجعل آدم وذريته خليفة . قال ابن عرفة : هذا يدل على أن الجنّ أجسام كبني آدم لأجل القتل والمبالغة فيه . قيل لابن عرفة : كيف يفهم هذا مع قوله تعالى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } إنّ اللاّم في " لَكُم " تقتضي اختصاصه بنا ؟ فقال : لعل اللاّم هنا ليست للاختصاص ولو سلمنا أنها للاختصاص يكون ما في الأرض لهم ، ( ويلزم منه ) كونه قاصرا عليهم فهو خلق لهم ولا ينافي أن يكون ( خلقا ) لغيرهم . قال ابن عرفة : وظاهره أنه ( قيل ) لهم ذلك مباشرة ( ونص المحدثون ) على أن الراوي إذا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه من قبيل المسند لكنه عندهم يحتمل السّماع مباشرة أو بواسطة ( لكن الصحابي ) إنما يروى عن صحابي فلذلك عدوّه من المسند ، وفي هذه زيادة اللام ( في ) للمقول له كقولك : قال لي فلان : كذا . فهو أصرح في الدلالة على المباشرة من ( الأول ) . قوله تعالى : { خَلِيفَةً … } قال الحسن : سماه خليفة لأن كل قرن وجيل يخلفه الجيل الذي قبله والأول مخلوف وما بعده خالف . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : معناه خليفة في الحكم بين عبادي بالحق ( وبأوامري ) يعنى آدم ومن قام مقامه من ذريته . قال ابن عرفة : إنما يتناول هذا الأنبياء فقط لأنهم هم الَّذين ( يتلقون ) الذكر مع الملائكة وغيرهم لا يرى الملائكة بوجه . قوله تعالى : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا … } فسره ابن عطية بوجوه . قال ابن عرفة : أظهرها أن الملائكة طلبوا أن يكون الخليفة منهم ، فأثنوا على أنفسهم وذموا غيرهم . قوله تعالى : { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ … } هذا ( العطف ) كما هو في قوله تعالى { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } فجعله بعض الأصوليين من عطف الخاص على العام / ، وجعله بعض المتأخرين من عطف ( المقيد على المطلق ) ، وهو المعبر عنه بعطف الأخص على الأعم . قال : لأن " فاكهة " نكرة في سياق الثبوت فلا تعم ، وكذلك الفعل هنا موجب فهو مطلق . قيل لابن عرفة : أخذ بعضهم من هذه الآية أنه يجوز للإنسان أن يتحدث بما هو يفعل من أفعال الخير والطاعة ، كما قال يوسف عليه السلام { ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } فقال ابن عرفة : ليس في هذه الآية دليل لأن الله تعالى عالم بكل شيء ، فما أخبروه إلا بما هو عالم به ، أو تقول إنما معنى الآية أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن إذ ذاك ( نسبح ) بحمدك ونقدس لك ، ولا يمنعنا إفساده من ذلك لأن الملائكة معصومون فيكون استفهاما ( عن ) بقاء تسبيحهم ( معه ) . واختلفوا في كيفية عصمة الملائكة فقيل : إنهم لا يستطيعون فعل الشر بوجه ، وهو قول من فضّلهم على جميع بني آدم . وقيل : إنهم متمكنون من فعل الشر ، وعصموا منه وهو الصحيح . قيل لابن عرفة : الجواب { إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } غير مطابق ( للسؤال ) لهذا التفسير . قال : ( سألوا عن جزأين ) : وهما هل يكون الخليفة مفسدا ؟ وهل يكونون إذ ذاك هم يسبحون ؟ فأجيبوا عن الجزء الأول فقط .