Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-11)

Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءات { والعاديات ضبحاً } بالإدغام : أبو عمر وغير عباس { فالمغيرات صبحاً } أبو عمرو غير عباس وخلاد عن حمزة . الوقوف : { ضبحا } ه لا { قدحا } ه لا { صبحا } ه لا { نقعاً } ه لا { جمعاً } ه لا { لكنود } ه ج لأن ما بعده يصلح عطفاً واستئنافاً { لشهيد } ه لذلك { لشديد } ه ط { القبور } لا { الصدور } ه لا { لخبير } ه . التفسير : إنه سبحانه ذكر في هذه السورة رداءة ما عليه جبلة الإنسان من قلة الشكر والصبر والحرص على المال بحيث يكاد يشغله عن تحصيل الكمال الحقيقي ، وعن المعاد الذي إليه مآل حال العباد ، فأقسم على ذلك بالأمور والتي هي مركوزة في خزانة خيالهم ولا تكاد تخلو في الأغلب عن الخطور ببالهم . وفي تفسيرها قولان مرويان : الأول أن العاديات هي الإبل . يروى عن ابن عباس أنه قال : بينا أنا جالس في الحجر إذ جاء رجل فسألني عن { العاديات ضبحاً } ففسرتها بالخيل فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو بجنب سقاية زمزم فسأله وذكر له ما قلت فقال : ادعه لي فلما وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام يعني بدراً وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد . { والعاديات ضبحاً } الإبل تعدو من عرفة إلى مزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ، والضبح على هذا مستعار لأن أصل استعماله في الخيل وهو صوت أنفاسها إذا عدون وهذا الصوت غير الصهيل وغير الحمحمة ، وانتصابه على " يضبحن ضبحاً " أو بالعاديات لأن العدو لا يخلو عن الضبح ، أو على الحال . وهكذا القول في { الموريات قدحاً } لأن الإبل قلما توري أخفافها . يقال : قدح فاورى وقدح فأصلد { فالمغيرات } أي المسرعات يندفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى منى { فأثرن } من الإثارة أي هيجن وهو حكاية الماضي أو هو نحو { ونادى } [ الأعراف : 48 ] { وسيق } [ الزمر : 72 ] { به } أو بالعدو أو بذلك الوقت { نقعاً } غباراً { فوسطن } أي توسطن { به } بذلك الوقت أو بالعدو أو متلبسة بالنقع { جمعاً } وهو المزدلفة لاجتماع الحاج بها . القول الثاني عن مجاهد وقتادة والضحاك وأكثر المحققين أن العاديات الخيل ، ويروى ذلك مرفوعاً . قال الكلبي : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى ناس من كنانة فمكثت ما شاء الله أن تمكث لا يأتيه منهم خبر ، فتخوف عليها فنزل جبرائيل بخبر مسيرها . وعلى هذا فاللام في { العاديات } للعهد . ويحتمل أن يكون للجنس ويدخل خيل السرية فيها دخولاً أولياً . وقوله { فالمغيرات } على هذا يكون من أغار على العدو إذا شن عليهم الغارة والجمع جماعة الغزاة أو الكفرة . وقيل : الإيراء عبارة عن شبيب نيران الحرب وإيقادها كقوله { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } [ المائدة : 64 ] وقيل : هي نيران الغزاة بالليل لحاجة طعامهم أو غيره . وعن عكرمة : هي الأسنة . وقيل : هي المنجحات في الأمور فيحتمل أن تكون الخيل أو الإبل لأنه وجد بها المقصود من الغزو والحج . ويحتمل أن يراد جماعة الغزاة أنفسهم . يقال للمنجح يف حاجته ورى زنده . وفي إقسام الله تعالى بالإبل دلالة على عظم شأنهن وكثرة منافعهن ديناً ودنيا كما قال { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } [ الغاشية : 17 ] { وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون } [ يس : 72 ] كذا في الإقسام في بالخيل وذلك مشاهد من عدوها وكرها وفرها بحسب مشيئة الراكب ولأمر ما قال صلى الله عليه وسلم " الخيل معقود بنواصيها الخير " وقالت العقلاء : ظهرها حرز وبطنها كنز . قال الواحدي : أصل الكنود منع الحق والخير بهذا فسر ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة الكنود قالوا : ومنه سمي الرجل المشهور بكندة لأنه كند أباه ففارقه . وعن الكلبي : الكنود بلسان كندة العاصي ، وبلسان بني مالك البخيل ، وبلسان مضر وربيعة الكفور ، وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الكنود الكفور الذي يمنع رفده ، ويأكل وحده ، ويضرب عبده " وفي تقديم الظرف مزيد تقريع يعني أنه لنعمة ربه خصوصاً لشديد الكفران فكيف نعمة غيره مثل الأبوين ونحوهما ؟ وقال الحسن : الكنود اللوام لربه بعد المحن والمصائب وينسى النعم والراحات ، والأكثرون على أن الإنسان هو الكافر لقوله بعد ذلك { أفلا يعلم } ويحتمل أن يراد أن جسن الإنس مفطور على ذلك إلا من عصمه الله بلطه وتوفيقه { أفلا يعلم } يجوز أن يكون توبيخاً على أنه لا يعمل بعلمه . والضمير في قوله { وإنه على ذلك } أما أن يعود إلى الرب وهو أقرب فيكون كالوعيد من حيث إن الله يحصى عليه أعماله ، وإما أن يعود إلى الإنسان أي أنه على كنوده { لشهيد } لا يقدر أن يجحده لظهور أماراتها عليه ، وقد يرجح هذا الوجه بأن الضمير في قوله { وإنه لحب الخير } للإنسان فناسب أن يكون الأول له أيضاً لئلا ينخرم النسق . والخير المال كقوله { إن ترك خيراً } [ البقرة : 180 ] والشديد البخيل الممسك يريد إنه لأجل حب المال لبخيل وقيل : الشديد القوي أي إنه لأجل إيثار الدنيا وطلب ما فيها مطيق قوي ، ولأجل عبادة ربه عاجز ضعيف . أو إنه لحب الخيرات الحقيقية غير ميسر منبسط ولكنه شديد منقبض . وقال الفراء : إنه لحب الخير لشديد الحب أي أنه يحب المال ويحب كونه محباً له فاكتفى بالحب الأول من الثاني . وقال قطرب : اللام بمنزلة قولك " إنه لزيد ضروب " . والتقدير إنه شديد حب الخير . ثم وبخه وخوفه بالعلم التام الأزلي الأبدي الشامل لأحوال مبدأ الإنسان ومعاده { وبعثر } مثل بحثر كما مر في " انفطرت " وإنما لم يقل من في القبور بل قال { ما في القبور } بحكم التغليب فإن أكثر ما في الأرض ليسوا مكلفين ، والذين هم مكلفون يجوز أن يكونوا حال البعثرة أمواتاً غير عقلاء ويصيروا أحياء بعد البعثرة ، قال أبو عبيدة { وحصل ما في الصدور } أي ميز ما فيها فلكل واحد من الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور حكم خاص . وقيل : معناه جمع ما في الصدور في الصحف أي أظهر محصلاً مجموعاً . وقيل : يكشف ما في البواطن من الأخبار وما في الأستار من الأسرار ويندرج فيه أعمال الجوارح تبعاً . وإنما لم يقل ما في القلوب لأن القلب مطية الروح وهو بالطبع محب لمعرفة اله تعالى إنما المنازع في هذا الباب هو النفس ومحلها ما يقرب من الصدر ، وإنما جمع الضمير في قوله { إن ربهم بهم } حملاً على معنى الإنسان . ومعنى تقييد العلم بذلك الزمان حيث قال { يومئذ } وهو عالم بأحوالهم أزلاً وأبداً التوبيخ وكأنه تعالى قال : إن من لم يكن عالماً في الأزل فإنه يصير بعد الاختبار عالماً ، فالذي هو عالم في الأزل كيف لا يكون خبيراً بهم في الأبد ؟ ويجوز أن يكون سبب التقييد هو أن ذلك وقت المجازاة على حسب العلم بالأعمال والأقوال والأحوال وإليه المصير والمآب .