Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 111, Ayat: 1-5)
Tafsir: Ġarāʾib al-Qurʾān wa-raġāʾib al-furqān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءات { أبي لهب } بسكون الهاء : ابن كثير { سيصلى } بضم الياء : البرجمي { حمالة } بالنصب : عاصم { جيدها } ممالة : نصير . الوقوف : { وتب } ه { كسب } ه { لهب } ج ه لاحتمال كون { وامرأته } مبتدأ خبره { حمالة الحطب } أو { في جيدها } إلى آخره واحتمال كونه عطفاً على ضمير { سيصلى } والأوجه الوصل { وامرأته } ه لمن قرأ { حمالة } بالنصب على الذم ، ويجوز الوقف لمن قرأ بالرفع أيضاً على تقدير هي حمالة الحطب . ومن قرأ { حمالة } بالنصب فله أن يصل { ذات لهب } بما بعده ويقف على { مسد } { مسد } ه . التفسير : لما أخبر عن فتح الولي وهو النبي صلى الله عليه وسلم نبه على مآل حال العدو في الدارين . قال ابن عباس : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتم أمره في أول المبعث ويصلي في شعاب مكة ثلاث سنين إلى أن نزل قوله { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] فصعد الصفا ونادى : يا آل غالب فخرجت إليه من المسجد . فقال أبو لهب : هذه غالب قد أتتك فما عندك ؟ ثم نادى يا آل لؤي فرجع من لم يكن من لؤي فقال : هذه لؤي قد أتتك فما عندك ؟ فقال يا آل - كلاب ثم قال بعده : يا آل قصي فقال أبو لهب : هذه قصي قد أتتك فما عندك ، ثم قال : إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين وأنتم الأقربون ، إني لا أملك لكم من الدنيا حظاً ولا من الآخرة نصيباً إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فأشهد لكم بها عند ربكم . فقال أبو لهب عليه اللعنة : تباً لك ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت السورة " وقيل : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أعمامه وقدم إليهم طعاماً في صحفة فاستحقروه وقالوا : إن أحدنا يأكل الشاة فقال : كلوا فأكلوا فشبعوا ولم ينتقص من الطعام إلا قليل . ثم قالوا فما عندك ؟ فدعاهم إلى الإسلام . فقال أبو لهب ما قال " وروي أنه قال أبو لهب : " فما لي إن أسلمت ؟ فقال : ما للمسلمين . فقال : أفلا أفضل عليهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وبماذا تفضل ؟ فقال : تباً لهذا الدين الذي يستوي فيه أنا وغيري فنزلت { تبت يدا أبي لهب } " التباب الهلاك كقوله { وما كيد فرعون إلا في تباب } [ غافر : 37 ] وقيل : الخسران المفضي إلى الهلاك . وقيل : الخيبة . وقال ابن عباس : لأنه كان يدفع قائلاً إنه ساحر فينصرفون عنه قبل لقائه لأنه كان شيخ القبيلة وكان له كالأب فكان لا يتهم ، فلما نزلت السورة وسمع بها غضب وأظهر العداوى الشديدة فصار متهماً فلم يقبل قوله في الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فكأنه خاب سعيه وبطل غرضه . قالوا : ولعله إنما ذكر اليد لأنه كان يضرب بيده على كتف الوافد عليه فيقول : انصرف راشداً فإنه مجنون . ويروى أنه أخذ حجراً ليرمي به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن طارق المحاربي أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق يقول : يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ورجل خلفه يرميه بالحجارة وقد ادمى عقيبة وقال : لا تطيعوه إنه كذاب . فقلت : من هذا ؟ فقالوا : محمد وعمه أبو لهب . وقال أهل المعاني : أراد باليدين الجملة كقوله { ذلك بما قدّمت يداك } [ الحج : 10 ] لأن أكثر الأعمال إنما تعمل باليد ، فاليمين كالسلاح واليسار كالجنة ، بالأولى يجر المنفعة وبالأخرى يدفع المضرة ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما دعاه نهاراً فأبى ذهب إلى داره ليلاً مستناً بسنة نوح ليدعوه ليلاً كما دعاه نهاراً ، فلما دخل عليه قال له : جئتني معتذراً . فجلس النبي صلى الله عليه وسلم أمامه كالمحتاج وجعل يدعوه إلى الإسلام وقال : ن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت واسكت . فقال : لا أومن بك أو يؤمن هذا الجدي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجدي . من أنا ؟ فقال : أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلق لسانه يثني عليه فاستولى الحسد على أبي لهب وأخذ يدي الجدي ومزقه وقال : تباً لك أثر فيك السحر . فقال الجدي : بل تبت يدالك فنزلت السورة على وفق ذلك لتمزيقه يدي الحيوان الشاهد بالحق الناطق بالصدق . وفي ذكر أبي لهب بالكنية الدالة على التعظيم المنبئة عن شبهة الكذب إذ لم يكن له ولد مسمى بلهب وجوه منها : أن الكنية قد تصير اسماً بالغلبة فلا تدل على التعظيم ، وإيهام الكذب منتف لأنهم يريدون بها التفاؤل فلا يلزم منه أن يحصل له ولد يسمى بلهب . ومناه أن اسمه كان عبد العزي فكان الاحتراز عن ذكره أولى . ومنها أنه إشارة إلى أنه من أهل النار كما يقال " أبو الخير " لمن يلازمه . وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه " يا أبا تراب " لتراب لصق بظهره . وقيل : سمي بذلك لتلهب وجنتيه فسماه الله تعالى بذلك تهكماً ورمزاً إلى مآل حاله وفي قوله { سيصلى ناراً ذات لهب } قال أهل الخطابة : إنام لم يقل في أوّل هذه السورة " قل تبت " كما قال { قل يا أيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] لئلا يشافه عمه بما يشتد غضبه رعاية للحرمة وتحقيقاً لقوله { فبما رحمة من الله لنت لهم } [ آل عمران : 159 ] وأيضاً إن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله : يا محمد أجبهم عني { قل يا أيها الكافرون } [ الكافرون : 1 ] وفي هذ السورة طعنوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى اسكت أنت فإنيّ أشتمهم { تبت يدا أبي لهب } وفيه تنبيه على أن الذي لا يشافه السفيه كان الله ذاباً عنه وناصراً له . يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتاً فجعل الرسول يذبه عنه ويزجر ذلك المؤذي فشرع أبو بكر في الجواب فسكت الرسول فقال أبو بكر : ما السبب في ذلك ؟ فقال : لإنك حين كنت ساكتاً كان الملك يجيب عنك ، فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان . قال أبو الليث : اللهب واللهب لغتان كالنهر والنهر ولكن الفتح أوجه ، ولهذا قرأ به أكثر القراء . وأجمعوا في قوله { ذات لهب } على الفتح رعاية للفاصلة . وفي دفع التكرار عن قوله { وتب } وجوه منها : أن الأول دعاء والثاني إخبار ويؤيده قراءة ابن مسعود و " قد تب " ، ومنها أن الأول إخبار عن هلاك عمله لأن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه باليد ، والثاني إخبار عن هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم . وقيل : الأول إهلاك ما له فقد يقال للمال ذات اليد ، والآخر هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم . وقيل : الأول نفسه والثاني ولده عتبة على ما روي أن عتبة ابن أبي لهب خرج إلى الشام مع ناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم عتبة : بلغوا عني محمداً أني كفرت بالنجم إذا هوى . وروى أنه قال ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفل في جهه وكان مبالغاً في عداوته فقال : الله سلط عليه كلباً من كلابك . فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز دائماً فسار ليلة من الليالي إلى قريب من الصبح فقال له أصحابه : هلكت الركاب . فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب فأناح الإبل حوله كالسرادق فسلط الله الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه . فقوله { تبت } قبل هذه الواقعة على عادة إخبار الله تعالى في جعل المستقبل كالماضي المحقق . والفرق بين المال والكسب من وجوه أحدها : أن المال عني به رأس المال والمكسوب هو الربح . وثانيها أراد الماشية والذي كسبه من نسلها وكان صاحب النعم والنتاج . وثالثها أريد ماله الموروث والذي كسبه بنفسه . وعن ابن عباس : المكسوب الولد لقوله صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " روي أنه لما مات تركه أبناؤه ليلتين أو ثلاثاً حتى أنتن في بيته لعلة كانت به خافوا عدواها . وقال الضحاك وقتادة : ما ينفعه ماله وعمله الخبيث يعني كيده في عداوة الرسول وسائر أعماله التي ظن أنه منها على شيء كقوله { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل } [ الفرقان : 23 ] وفي قوله { أغنى } بلفظ الماضي تأكيد وتحقيق على عادة إخبار الله تعالى وقد زاده تأكيداً بقوله { سيصلى ناراً ذات لهب } وطالما استدل به أهل السنة في وقوع تكليف ما لا يطاق قائلين إنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان ، ومن جملة الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه ، ومما خبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار ، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن وبأن لا يؤمن وهو تكليف بالجمع بين النقيضين . وأجيب بأنه كلف بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فقط لا بتصديقه وعدم تصديقه حتى يجتمع النقيضان ، وغاية ذلك أنهم كلفوا بالإيمان بعد علمهم بأنهم لا يؤمنون وليس فيه إلا انتفاء فائدة التكليف ، لأن فائدة التكليف بما علم الله لا يكون هو الابتلاء وإلزام الحجة وهذا لا يتصور بعد أن يعلم المكلف حاله من امتناع صدور الفعل عنه ، والتكليف من غير فائدة جائز عندكم لأن أفعاله تعالى غير معللة بغرض وفائدة على معتقدكم . ثم إن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية كانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن المفسرين من قال : كانت تحمل الشوك والحطب وتلقيهما بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم ، فلعلها مع كونها من بيت العز كانت خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب لتلقيه في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم . ثم من هؤلاء من زعم أن الحبل اشتد في جيدها فماتت بسبب الاختناق ، فقوله { في جيدها حبل من مسد } يحتمل على هذا أن يكون دعاء عليها وقد وقع كما أريد وكان معجزاً . ومنهم من قال : عيرها بذلك تشبيهاً لها بالحطابات وإيذاء لها ولزوجها . وعن قتادة أنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر فعيرها بأنها كانت تحتطب . والأكثرون على أن المراد بقوله { حمالة الحطب } أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للنمام المفسد بين الناس إنه يحمل الحطب بينهم أي يوقد بينهم النائرة . ويقال للمكثار هو كحاطب ليل . وقال أبو مسلم وسعيد بن جبير : أراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان كالحطب في مصيره إلى النار نظيره { فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } [ الأحزاب : 58 ] { وليحملن أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] " يروى عن أسماء أنه لما نزلت السورة جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجر فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر وهي تقول : مذمماً قلينا . ودينه أبينا . وحكمه عصينا فقال أبو بكر : يا رسول الله قد أقبلت إليك فأنا أخاف أن تراك . فقال صلى الله عليه وسلم : إنها لا تراني وقرأ { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } [ الإسراء : 45 ] فقالت لأبي بكر : قد ذكر لي أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر : لا ورب الكعبة ما هجاك " قالت العلماء : لعل أبا بكر عني بذلك أن الله تعالى قد هجاها ولم يهجها الرسول ، أو اعتقد أن القرآن لا يسمى هجواً . ثم إن أم جميل ولت وهي تقول : قد علمت قريش أني بنت سيدها . قال الواحدي : المسد في كلام العرب الفتل . يقال : مسد الحبل مسداً إذا أجاد فتله . ورجل ممسود إذا كان مجدول الخلق . والمسد بالتحريك ما مسد أي فتل من أي شيء كان كالليف والخوص وجلود الإبل والحديد . وقد عرفت معنى قوله { في جيدها حبل من مسد } على رأي بعض أهل التفسير . وقال الآخرون : المعنى أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها في المعنى عند النميمة ، أو في الظاهر حين كانت تحمل الحزمة من الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم وفي جيده حبل من سلاسل النار .